مهدي مبارك عبد الله - شركة فاغنر العسكرية الخاصة سيئة السمعة تدير مجموعة من المرتزقة الروس وتنشط في أكثر من دولة حيث تواجدوا في أوكرانيا للقتال إلى جانب الانفصاليين ثم شاركوا في الحرب السورية عام 2015 خصوصا في المعارك الكبرى مثل استعادة مدينة تدمر الأثرية
وقد كانت عناصرهم حاضرة في النزاع الدائر في ليبيا لمساندة قوات المشير خليفة حفتر وفي جمهورية أفريقيا الوسطى نشطوا كمدربين ومرافقين لقوات الجيش وهنالك معلومات تفيد بظهورهم في السودان وموزمبيق وفنزويلا ومؤخرا بدأوا يلعبوا دور واضح في مالي ودول أخرى في القارة الأفريقية
أسس المجموعة ضابط الاستخبارات العسكرية الروسية السابق ا ( ديمتري أوتكين ) وقد اطلق عليها اسمه الحركي ( فاغنر ) الذي كان يعرف به اثناء عمله وكذلك بسبب إعجابه الشديد بالنظام النازي الذي كان يستخدم موسيقى فاغنر في بث الدعاية العسكرية وفي عام 2016 استقبله الكرملين في حفل تكريمي لأبطال سوريا والتقطت صور له مع الرئيس بوتين
أما الممول الرئيسي لها بحسب الاعتقاد الشائع فهو رجل الأعمال ( يفغيني بريغوجين ) القريب من بوتين والذي جنى ثروته من ورش الترميم قبل أن يوقع عقودا عدة مع الجيش والإدارة الروسيين وهو مستهدف بالعقوبات الأميركية للاشتباه بضلوعه في التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية التي فاز فيها دونالد ترامب على المرشحة هيلاري كلينتون عام 2016 كما أنه ملاحق من قبل مكتب التحقيقات الفدرالي إف بي آي بتهمة الاحتيال المكرر
ظهرت عناصر فاغنر للمرة الأولى في ساحات المعارك كمقاتلون محترفون ومجهزون بشكل جيد الى جانب الانفصاليون المتمردون في شرق أوكرانيا بعد احتلال روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014 ورغم ان عددهم لا يتجاوز بضعة آلاف إلا أنهم قادرون على قلب الموازين خلال النزاعات ولايزال تمويل وإدارة فاغنر يشكل لغزاً محيرا فمعظم وسائل الإعلام تتهم المخابرات الروسية بانها تمولها وتديرها بشكلٍ سري للتقليل من الخسائر الرسمية الروسية في العمليات الخارجية والكرملين مرات عديدة نفي أي علاقة بها
خاصة وانه لا وجود قانوني لها في روسيا حيث الشركات العسكرية الخاصة محظورة لكنها على ارض الواقع تعمل بفاعلية كبيرة حيث تضم آلاف العناصر من قدامى المحاربين من الجيش وأجهزة الأمن الروسية ويشكل عمادها القتلة المحترفون والمجرمون المتمرسون
المعلومات المؤكدة تشير الى ان مجموعة فاغنر تشكل أحد أذرع روسيا الأساسية التي تعتمد عليها موسكو وتستخدمها في الظل لخدمة مصالحها وإبراز دورها كلاعب أساسي على المسرح الدولي ومن المرجح أن المرتزقة الروس وبتوجيه من الدولة الروسية تورطوا بأعمال عدائية في أوكرانيا بما في ذلك ذريعة الغزو وقد تم استخدامهم لزرع الفتنة وشل أوكرانيا من خلال الاغتيالات المستهدفة واستخدام الأسلحة المحرمة والمتخصصة وارتكاب جرائم حرب مروعة
ثبت مؤخرا انه على الرغم من نشر صحف عالمية تقارير عدة عن فاغنر وأدوارها المشبوهة فان أمريكا و الغرب لا زالوا عاجزين عن فهم حقيقتها وهي غير مكتملة على الأقل في الوقت الراهن وذلك لعدة أسباب أهمها حملات التضليل المنظمة والشرسة التي تديرها موسكو وتحاول من خلالها تبرئة ذمتها وسمعتها من كافة الجرائم القانونية والاخلاقية التي ترتكبها عصابات فاغنر
عملها الدقيق يسير خارج نطاق السوق العالمية والسرية التي تحيط بها يؤكدان أنها جيش من المرتزقة خلقها نظام الرئيس بوتين لخدمته ويظهر ذلك جلياً في الحرب الأوكرانية الدائرة الان عندما أراد الروس التنصل من أي نتائج دولية للانتهاكات التي تم ارتكبوها في تلك الحرب
الدور الأساسي لفاغنر هو الاستعدادها التام لإرسال مسلحين من المرتزقة إلى أماكن لا يمكن للحكومة الروسية أن تذهب إليها علانية وقد كان لها دور كبير في نزع سلاح القوات الأوكرانية بعد احتلال موسكو لشبه جزيرة القرم وضمها كما دعمت الانفصاليين في مناطق الشرق الأوكراني
مع تصاعد الصراع وبعد فشل الرئيس بوتين في استجابة القيادات العسكرية الأوكرانية لدعوته بالانشقاق والسيطرة على الحكم واسقاط الرئيس الاوكراني والحكومة الذين يسميهم ( النازيون والفاشيون الجدد ) وكذلك نتيجة للمقاومة الشرسة والصمود البطولي الذي ابداه الجنود والمتطوعون الاوكرانيون امر الرئيس بوتين أكثر من 400 مرتزق روسي من مجموعة فاغنر وهو عدد غير مسبوق بالتحرك من أفريقيا الوسطى للانتشار في العاصمة الأوكرانية كييف
المهمة الأصعب جاءت بأوامر وتعليمات مباشرة من الكرملين لمرتزقة فاغنر بوضع الخطط والتحضير لاغتيال الرئيس الاوكراني ( فولوديمير زيلينسكي ) وأعضاء حكومته و23 شخصية حكومية أخرى إضافة الى استهداف الصحافيين والمعارضين والمنشقين الروس والبيلاروسيين في المنفى أو في أوكرانيا وقد كان رئيس بلدية كييف فيتالي كليتشكو وشقيقه فلاديمير وأعضاء منظمات مكافحة الفساد وأفراد من الأقليات العرقية والدينية وبعض صانعو محتوى مواقع التواصل الاجتماعي من الذين وضعوا على قائمة الاغتيالات
عناصر فاغنر على أهبة الاستعداد وينتظرون فقط إشارة من الكرملين للقضاء على رؤوس واعمدة السلطة الحاكمة وبعض المؤدين لهم لتمهيد الطريق لتسليم زمام الامور لعناصر موالية لموسكو وبناء على ذلك وقبل خمس أسابيع قامت إدارة شركة فاغنر بنقل مجموعات من أفرادها من أفريقيا الى أوكرانيا في مهمة محددة تقضي باستهداف وتصفية أركان القيادة في كييف مقابل وعود بمكافأة مالية سخية
المخابرات الأوكرانية وصلتها معلومات كاملة ودقيقة عن خطط الاغتيال من مصادر أمنية غربية بارزة بأن مرتزقة روس على صلة بجواسيس لموسكو يعززون تواجدهم في أوكرانيا وينتشرون ضمن شركات عسكرية روسية خاصة لها روابط وثيقة بجهازي الأمن الاتحادي والمخابرات العسكرية الروسيان
بعد ساعات قليلة من ذلك أعلنت القوات المسلحة حظر تجول صارم لمدة 36 ساعة بدعوى اجتياح المدينة من قبل مخربين روس وحذرت السلطات الأوكرانية من أن كل من يخرق الحظر ويلقى القبض عليه سينظر إليه على أنه عميل للكرملين وقد يتعرض للتصفية في حال المقاومة
لاشك بان سلامة الرئيس الأوكراني زيلينسكي باتت مهددة بالفعل بعد الهجوم الروسي وقد أشار الى ذلك في خطابة امام المؤتمر الذي عقد عبر الفيديو كونفرانس مع زعماء الاتحاد الأوروبي بقوله إنه الهدف الأول لروسيا ( للقبض عليه أو اغتياله ) وأن أفراد أسرته الهدف الثاني وقد تكون هذه آخر مرة يرونه فيها على قيد الحياة مع العلم بان تصفية زيلينسكي امر مهم بالنسبة لبوتن يمكنه من انهاء الهجوم العسكري ووقف المعارك وتنصيب رئيس وحكومة موالين لموسكو
ورغم كل المخاطر رفض الرئيس الاوكراني العرضين الأمريكي والفرنسي لإخراجه بسلام من البلاد وتعهد على البقاء في كييف ومقاومة القوات الروسية الغازية الذين يتقدمون صوب العاصمة في أكبر هجوم على دولة أوروبية منذ الحرب العالمية الثانية
عمليات مجموعة فاغنر لم تتم بدون خسائر أو فضائح فخلال الأزمة بين روسيا وبيلاروس عام 2020 أعلنت مينسك عن اعتقال 33 مرتزق من المجموعة وهو ما أحرج موسكو التي كانت تتفاوض على استعادتهم بعيدا عن الأضواء كما منيت عناصرها بخسائر كبرى عام 2018 في سوريا خلال الضربات الأميركية على مقاتلين كانوا يحاولون السيطرة على حقول النفط وفي إفريقيا الوسطى قتل ثلاثة صحافيين روس كانوا يحققون حول أنشطة المجموعة وأعلنت موسكو آنذاك أنهم وقعوا ضحية لعصابات في المنطقة فيما قالت المعارضة الروسية إنهم كانوا ضحية كمين نصبه محترفون
مؤخرا بدأت القوات الروسية في محافظة الرقة شمال شرقي سوريا بتسجيل أسماء نحو 200 من المتطوعين السوريين الراغبين بالانضمام للقتال في أوكرانيا الى جانب قواتها مقابل راتب شهري قدره 350 دولار ووعود بمنحهم ميزات أخرى بعد انتهاء المعارك
وفقا لكل ما سلف يتبين انه من الضرورة جدا أن تقوم أمريكا وحلفائها الغربيين بمحاصرة أعمال فاغنر من خلال فرض عقوبات على أي أشخاص أو شركات يثبت تورطها مع تلك المجموعة وكذلك مشاركة الحلفاء المعلومات الاستخبارية عن جيش المرتزقة الروس للحد من اجرامه وخطورة انتشاره في عدد من دول العالم
يذكر انه يوم فجر الخميس الماضي أطلقت موسكو عملية عسكرية في أوكرانيا تبعتها ردود فعل غاضبة من عدة دول قبل أن تفرض الولايات المتحدة ودول أوروبيةٌ عقوبات غير مسبوقة على روسيا طالت الرئيس الروسي بوتين ووزير خارجيته سيرجي لافروف وبعض الشركات والنظام المصرفي والاقتصادي ومنع السفر لعدد من الشخصيات السياسية وحظر تصدير الأسلحة وغيرها
mahdimubarak@gmail.com