يكاد المشهد يكرر ذاته سنويا بذات التفاصيل وذات الأرقام إن لم يكن بارتفاعات مستمرة عند اطلاق الكشف التنافسي على وظائف أجهزة الدولة المختلفة، زيادة بعدد الطلبات تحديدا التخصصات التي يشهد فيها مخزون الديوان تضخما كبيرا، الخاصة في التعليمية والإنسانية على وجه الخصوص، والإبتعاد عن التعليم التقني لحدّ العزوف!! كل هذا وأكثر يجعلنا في كل مرّة نستمع بها للمؤشرات والقراءات الرقمية للكشف التنافسي نقول بأي حال عدت .
بالأمس، أعلن رئيس ديوان الخدمة المدنية خلال مؤتمر صحفي تجاوزت ساعات انعقاده الساعتين والنصف، متحدثا بالأرقام عن واقع الطلبات المقدّمة لديوان الخدمة المدنية، وربما أي قراءة لهذه الأرقام تقودنا إلى نتائج غير مُرضية إن لم تكن سلبية جدا، سواء كان في الإقبال على تخصصات محددة، أو واقع سوق العمل، أو الإصرار على تدريس تخصصات مشبعة في الجامعات، أو ثقافة المجتمع التي ما تزال تدور في فلك تخصصات محددة يغلب عليها في بعض الحيان توريث المهن عن بعض العائلات، والسؤال الأهم هل تم بالفعل تطبيق الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية أو بعض من تفاصيلها الخاصة في التعليم وسوق العمل؟
الوصول إلى أجوبة لكل الأسئلة التي تدور عند قراءة تفاصيل الكشف التنافسي غاية في السهولة، وقد يكون جواب واحد لها في مجملها، وهو للأسف أن تكرار المشهد نفسه سنويا يعني أن الحلول ما تزال غير مجدية، كما أن تطبيق الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية ما يزال متواضعا إن لم يكن أقل من تواضع الخطى بكثير، ذلك أن واقع الحال ما يزال لم يتحرّك ساكن سلبياته وعلى كافة الأصعدة، ودائما ما تلقى الكرة في مرمى ديوان الخدمة المدنية لإيجاد حلول، رغم أن لا مسؤولية له بذلك وليس من مهامه ، فالحلول تتطلب شراكة حقيقية وعملية لإيجاد آلية متكاملة تخفف من الإقبال على التخصصات المشبعة، وكذلك تغير من مفهوم الوظيفة الحكومية والإصرار عليها عند الكثيرين.
وجود (455604) طلبات توظيف في مخزون ديوان الخدمة المدنية مقارنة بـ(423597)طلبا للعام السابق، بزيادة تراكمية سنوية بلغت (7.6% )، حيث استقبل الديوان هذا العام (38339) طلب توظيف جديدا، أرقام لا يمكن اغماض عين المتابعة عنها، سيما وأنها تزداد سنويا ولا تتراجع، بمعنى أن كل ما يثار من سياسات للحد من هذه الإشكالية مجرد «ضمادات» تخفف من تراكم الألم ولا تزيله، بل ربما تؤجّل من العلاج بشكل كامل.
حتى في تفاصيل الأرقام الخاصة بالتحصيل العلمي للمتقدمين بالوظائف، وجنسهم أيضا تتكرر ذات السلبيات، فمن طلبات الوظائف(13863 ) طلبا للذكور بنسبة (36%)، بينما ما تزال النسبة الأعلى للإناث إذ يصل عدد طلباتهن (24476) بنسبة(64 %) من اجمالي الطلبات الجديدة، وغالبية الطلبات لتخصصات تعليمية وانسانية، و(33077) من الطلبات للجامعين يشكلون ما نسبته (86 %)، و(5262) للدبلوم بنسبة (14%) من اجمالي الطلبات الجديدة.
أرقام تتطلب وضع خطة حقيقية عملية تنطلق من الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية تحدد خطى تجاوز هذه الإشكالية التي تتكرر سنويا، وللأسف تتكرر بزيادات مقلقة، وفي إدارة ظهر المسؤولية لها ستزيد من حجم كرة الثلج لتصبح السيطرة عليها غير ممكنة في قادم الأيام، فمعالجة تشوّهات التخصصات الراكدة والمشبعة حاجة وضرورة وليس ترفا.