عندما نشاهد ونتابع جماليات الأشياء من حولنا عن كثب، وقد سرنا لها على أقدامنا ووقفنا على تفاصيلها نرى جمالا آخر، نعيش فيه وندقق بتفاصيله التي حتما لن نراها ونحن عن بُعد أو نرقبها من خلال صور حنّطت لنا زمنا أو حقبة تاريخية أو أيّ من هذه التفاصيل الهامة لأي مكان يتمتع بخصوصية سياحية وتاريخية وأثرية والأهم مكانة وطنية.
بالأمس، زار جلالة الملك عبدالله الثاني، يرافقه سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، مواقع سياحية وأثرية بمحافظة معان، جنوبي المملكة، ليعطي بذلك رسالة غاية في الأهمية بأن المواقع السياحية يجب أن نسير لها ونزورها ميدانيا ونقف على جمالياتها التي ستزداد روعة عند رؤيتها في الجولات الميدانية، والوقوف على تاريخها وتفاصيلها الدقيقة، فضلا عن أن في زيارة جلالته أيضا رسالة بضرورة الاهتمام بالمواقع السياحية والأثرية والاستماع من المواطنين لما تحتاجه هذه المواقع وما يجب أن يقدّم لها لتبقى واجهة سياحية هامة يليق بتاريخها.
زيارة جلالة الملك التي اختار أن يتجوّل بها سيرا على الأقدام فيها قراءة خاصة اكثر عمقا لأهمية المكان والوقوف على جمالياته، حيث تفقد جلالته وسمو ولي العهد قلعة معان التي شيدت بين عامي 1520 – 1566م، وتم تحويلها العام الماضي إلى متحف تراثي، بهدف الحفاظ على تراث المنطقة، وإثراء التجربة السياحية، مستمعا إلى شرح عن أهمية المتحف الأثرية، وعن تاريخ المدينة عبر مختلف العصور، وصولاً إلى قيام الثورة العربية الكبرى وتأسيس الدولة الأردنية، إضافة إلى شروحات وخرائط عن طريق الحج الشامي، واضعا بذلك جلالته شكلا آخر من التسويق السياحي المختلف والذي من شأنه وضع هذه المنطقة تحت مجهر الاهتمام السياحي محليا واقليميا ودوليا، علما بأنه ليس حضورا عاديا أو تقليديا إنما مختلف وايجابي ويأخذ الطابع الذي يجعل من الأردن حالة سياحية مُعاشة عمليا.
وفي رسالة سياحية عميقة أخرى، جال جلالته وسمو ولي العهد، في سوق معان القديم، الذي تأسس في بدايات القرن التاسع عشر، ويعد من أبرز معالم المدينة الرئيسية، إذ يرتاده أبناء المحافظة والمناطق المحيطة، وتوقف جلالة الملك وسمو ولي العهد، خلال الجولة، عند أحد المحال التجارية، وتبادلا الحديث مع صاحبه، الذي يعد من أقدم تجار السوق، ليست فقط رسالة إنما هي حالة اجتماعية اقتصادية سياحية ادارية يجسدها جلالة الملك وولي العهد، حالة تتجاوز بعبقريتها وايجابياتها كافة الخطط والدراسات وحتى المدارس الخاصة بهذه الجوانب.
أخرج جلالة الملك وولي العهد أمس أزمات القطاع السياحي برمتها من عنق زجاجة الانتظار لحلول تعيد للقطاع ألقه، بدءا من وقوف جلالته بالميدان والإطلاع على تفاصيل ربما كثيرون لا يعرفون عنها شيئا، مروروا بالاستماع للمواطنين ومحادثة صاحب أحد المحال التجارية، انتهاء بتوجيهات جلالته لوزارة السياحة والآثار إلى ضرورة العمل على تنشيط الحركة السياحية في محافظة معان، لتجاوز تداعيات جائحة كورونا، صيغة متكاملة لحلول عملية لواقع السياحة في معان وفي القطاع برمّته، بعيدا عن تقليدية الحلول ونمطية العمل السياحي، فوجود جلالته بالميدان ورؤية واقع الحال والاستماع من المواطنين هو الباب الأوسع لتحقيق الأفضل سياحيا واقتصاديا وتنمويا.