أنهيتُ للتو قراءة رواية «فاطمة» لمبدعها الأردني د. محمد عبد الكريم الزيود.. وتمنيتُ ألا تنتهي.. فقد رأيتُ فيها أبي وأعمامي وكلّ أقرانهم وكنتُ أنا موجوداً هناك.. فغالبية ما وثّقه الكاتب عشته بنفسي أو سمعتُ عنه بحميمية.
ترتكز على الزرقاء وقراها وكيف نهضت هذه القرى من «بيت الشعر إلى بيت الطين إلى المدينة» وعلى التعايشات التي أسست للأردن الحديث بين الأردني الفلسطيني والشيشاني والمسيحي..
تضج الرواية بكلّ أسماء القرى الزرقاوية التي سمعنا عنها والتي لم نسمع.. ويعطيك الهامش مجالاً واسعاً لتعرف تفاصيل لم تكن تعرفها قبلاً سواءً في الأسماء الحقيقية للأشخاص الحقيقيين الوارد ذكرهم أو للعادات والتقاليد أو للأدوات المستخدمة أيّامها أو أي لفظة ممكن أن تسبب لك إشكالاً في فهمها..
وينقلك الكاتب ببراعة إلى خيوط حياكاته التي تكشف عن تفاصيل لاحقة يُسرّبها إليك لتصبح لاهثاً وراءه كي تعرف أكثر.. لتكتشف أن الأردن الحديث تشكّل أمام ناظريك وأن تسرح مع فاطمة وهي تروي حكاية من حولها وكيف تطوّرت أحوالهم وصار الأردن الذي تراه الآن.. تعيش مع الكاتب وهو يوثّق كيف تجنّد أبناء القرى في الجيش الأردني وصاروا عماده وقوامه.. وينقلك الكاتب الزيود إلى فلسطين ومعارك الأردنيين فيها ويعطيك الحقيقة التي سمعها من مصادرها الموثوقة ويجعلك تعيش مع الأبطال الأردنيين في فلسطين والقدس بالذات حتى لحظة استشهاد كثير منهم.. وصولاً إلى وصول الخبر إلى أهلهم الذين يقولون « الشهيد نايم عند أهله بفلسطين.. وفلسطين تستاهل» فتشبّ مشاعرك وتنهمر دموعك و تصبح جزءاً من تهاني تلك اللحظة التاريخيّة.
الرواية اجتماعية ومكانية بامتياز؛ ولا تورّط نفسها في أي بعد سياسي لأنها تريد التوثيق للغائب أو للذي لا يقترب منه غالبية الروائيين الأردنيين وكأنّ التاريخ الأردني الحديث مسكوت عنه وهو ليس كذلك..
أبارك للأدب الأردني والعربي بهذه الرواية والتي جعلتني في أحد مشاهدها أبكي بُكاءً مُرّاً فقدت معه اتزاني ولم أرد على أي تلفون أو أتعاطى مع أي بشر..!
هذه الرواية تستحق من التلفزيون الأردني ومن المنتجين الوطنيين ومن كلّ من يريد للحالة الأردنية أن تظهر بوجهها الحقيقي؛ تستحق أن تتحول إلى مسلسل درامي سيكتسح ويوثّق ويكون علامة فارقة في تاريخ الدراما الأردنية والعربية.. متمنيا ألا يذهب ندائي هذا أدراج الرياح.. فالأمم تنهض و تشبّ بفنونها التي تدخل للوجدان وتعيد تشكيله حتى يعرف أبناؤنا الآن كيف كنّا نعيش وكيف عاش آباؤنا.. وإننا عندما نقول أننا أبناء حرّاثين فهذه الرواية توثيق للآباء الحرّاثين.
شكراً د. محمد الزيود فلقد أمتعتني وأنا أستمع نعم أستمع بقراءة كل ما قالته فاطمة.