لست أجزم بأن السؤال العنوان تقليدي، وأنه تردد أمام المعنيين في كل دول العالم أكثر من مرة، لكنني أراه سؤالا وجيها بعد ان اطلعت على تفاصيل كثيرة بهذا الصدد، ربما أوردها في مقالة لاحقة، لكنني في هذه المقالة اريد تسليط الضوء على (علاج) من ابتلاه الله بإدمان سموم المخدرات..
حين ينزلق أحدهم الى تعاطي تلك الآفة، لن ترحمه القوانين ولا المجتمع، وتشير الشواهد العالمية إلى أن كثيرين ينزلقون أكثر صوب المخدرات تعاطيا وترويجا وتجارة، بعد أن يتم سجنهم!.. وهذه نتيجة صادمة فعلا، حيث المطلوب من العقوبة ردع هؤلاء عن إعادة ممارسة مثل هذا السلوك، لكنهم يذهبون للسجن، وغالبا ما يكونون شبابا في مقتبل أعمارهم ولا خبرة لديهم في الحياة، وتتحكم بهم العواطف والمشاعر أكثر من الأفكار والحكمة والأخلاق.. فيعيشون أياما أو شهورا أو ربما سنوات في مراكز الاحتجاز والتوقيف والسجون، فيخالطوا آخرين ويتأثرون بهم، فيعودون لممارسة السلوك نفسه بعد ان تعرفوا على مزيد من رفاق السوء، وفي الإحصاءات بل الدراسات العالمية قالوا بأن 46% ممن يتم سجنهم لأول مرة، يتجهون إلى الجريمة ويعودون للسجن بسبب جرائم وجنح جديدة، وبناء على هذه الأرقام قامت كثير من الدول بإعادة النظر إلى أحكام السجن وبيئته..
نتحدث عن الأردن، وفي مقالة الخميس الماضي تحدثنا عن سجون 5 نجوم، وأكدنا بانها ليست دعاية ولا دعوة للتجريب، بل حديث عن رشد الإدارة في مراكز الإصلاح والتأهيل، وعن التزامها بشرعة حقوق الإنسان، وسعيها لأنسنة كل إجراءاتها مع المحكومين بالسجن، واليوم نتحدث عن «إنجاز»، تتفرد به الاردن عن كثير من الدول في المنطقة وحول العالم، وهو مركز علاج الإدمان في مركز إصلاح وتأهيل بيرين.
المركز حديث، وتم تدشينه بجهود كبيرة من إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل، ويقدم خدمة وطنية وإنسانية كبيرة للذين انزلقوا لتعاطي المواد المخدرة، وعلى الرغم من أن هناك أيضا مركز لعلاج الإدمان تابع لإدارة مكافحة المخدرات، يمكن للمبتلى بتعاطي المواد المخدرة ويرغب بالإقلاع عنها.. يمكنه التوجه بشكل طوعي و»سري» إن شاء، ويلتزم ببرنامج علاجي، ويمكنه التعافي لو التزم.. وهذا هو الفرق بين المركز التابع لإدارة مكافحة المخدرات، وبين مركز علاج الإدمان في مركز بيىين للإصلاح والتأهيل، ففي الثاني العلاج مضمون، بينما في الأول هناك خيار للمراجع، فهو يذهب إليه طوعا.
متعاطي المخدرات او المدمن، الذي تم عرضه على المحكمة وتم إطلاق حكم عليه بالسجن، لديه فرصة مضمونة للإقلاع عن التعاطي والعودة إلى حياته الطبيعية، لأنه مسجون حكما، وفي حال رغبته في العلاج، فيمكنه ذلك، بعد أن يمضي فترة العلاج كاملة في هذا المركز، ولا يخرج منه الا متعافيا، وقد تخلص جسمه من السموم، فيعود لقضاء محكوميته او يخرج للحياة وفي يده مطلق الخيار، للمضي بحياة طبيعية سليمة، فهو لم يعد عبدا ضعيفا بل يملك إرادة امام تعاطي المخدرات.
مركز العلاج في بيرين، نموذجي، ويعمل وفقا لمعايير دولية معروفة، وتجري متابعته من قبل إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل، وبالتعاون مع جهات ومنظمات دولية مختصة، وفيه برنامج علاجي كثيف، وفق المعايير الصحية الدولية، ووفقا للقانون بالطبع.
يتسع المركز في مرحلته الأولى «الحالية» ل 40 نزيلا، وقد تمت معالجة حوالي 400 حالة فيه، والعمل جار في إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل لاستكمال المرحلة الثانية، بتوسعته ليستقبل ضعف الحالات ضمن الشروط والمعايير نفسها، وهذه تجربة أردنية قد يراها بعضنا «كمالية» وخدمة إضافية، وهي ربما كذلك لو نظرنا إليها وفق أحكام القضاء، فالذي ارتكب يحاكمه القضاء بعقوبة، لكن ومع ذلك فالدولة، ورغم أنها تضعه هذا المحكوم في مركز إصلاح وتأهيل، إلا أنها ومن خلال مراكز الإصلاح والتأهيل تقدم له أيضا خدمة إنسانية ووطنية، حين تنشىء له مركزا صحيا ونفسيا للعلاج دون تكلفة مالية، بل فقط من أجل إنقاذه من هذه الآفة.
فبوركت الجهود الإضافية التي يبذلها جهاز أمني مثل جهاز الأمن العام فوق سهره على امن وسلامة أرواح وممتلكات الناس وحقوقهم.