عبدالهادي راجي المجالي - .. أمس أوقفت سيارتي في أحد المواقف الخاصة، جاء إليَّ أحد الشباب وقال لي: (الأجرة ديناران)... في ذات الوقت جاء طفل لا أظنه تجاوز التاسعة من عمره وقال لي: (مشان الله بدي اشتري دوا لأمي).. كان يمارس التسول بالطبع.
اتفقت مع عامل الموقف أن أعطيه الأجرة، مقابل أن يعطي الطفل (ربع دينار)... وافق عامل الموقف على ذلك والطفل المتسول هو الآخر وافق أيضاً، لكن ما استفزني.. أن الطفل نادى فيما بعد على عامل الموقف وقال له: (بتحاسب معك بعدين)...
جئت لموعدي مبكرا، واستفزتني جملة الطفل... فذهبت للشاب الذي يشرف على الموقف.. وبدأت بالدردشة معه، لقد تبين أني امتلك فائضا من الوقت.. وأثناء حديثي مع الشاب صرخ الطفل عليه قائلا: (حمودة جيبلي بطاقة)... والغريب أن الشاب رضخ لأمره وعلى الفور أحضر بطاقة..
القصة باختصار ومن جملة ما استنتجه من حديثي مع الشاب، ومن الوعد الذي قطعته بمساعدته في العثور على وظيفة.. هي: أن الشاب عاطل عن العمل والطفل الذي يتسول في المكان هو من قام بتعيينه بوظيفة (عامل بارك) كونهما أبناء حارة واحدة.. ويبدو أن المنطقة من اختصاص هذا الطفل فهو الوحيد الذي يتسول بها، ويبدو أن خلفه مجموعة أو عصابة من الناس تحميه.. وتقوم بإيصاله في الموعد وإحضاره...
الشاب يتقاضى في اليوم الواحد (10) دنانير، ويقدم لك وصلا وصاحب قطعة الأرض يقوم بمحاسبته عند انتهاء اليوم.. لكن إذا قام الزبون بدفع أكثر من دينارين، فهي توزع على البقية.. باعتبارها (بقشيش)، والطفل المتسول ينتظر عند السيارات.. وحين تأتي صبية أو سيدة بالضرورة أن تحزن على نحافة جسمه وطفولته، وبالضرورة أن يخبرها بأن والدته تحتاج لعلاج.. ويقوم بذرف الدموع مثلما فعل معي.. فتعطيه المال.
في النهاية تبين لي أن هذا الطفل المتسول يتحكم بالجميع، فهم يحضرون له الشاي.. والبعض يشتري بطاقات لشحن هاتفه، والأنكى أنه يحمل (ايفون)... وفي حالة تعرضه لدورية أو ملاحقته.. تأتيه نجدة من أين لا تعرف وتقوم بسحبه من المنطقة...
حين سألت الشاب عن حجم ما يجمعه الطفل تبين لي أنه في اليوم الواحد يجمع ما يقارب الـ(50) دينارا.. ويومية الشاب لا تزيد على (10) دنانير... والأنكى أنه يتحكم بالموقف وبالزبائن... ويعرف الجميع.. وبعبارة أكثر عامية (مخاوي ع الكل)...
يبدو أن التسول لدينا صار مؤسسة..
Abdelhadi18@yahoo.com