«كمنتات شسيبلب».... كلمتان لا معنى لهما، وكنت من الجيل الأخير الذي تعامل معهما على الآلة الطابعة اليدوية.... وتتكون من الأحرف المصفوفة بشكل أفقي على السطر الثاني قبل الأخير من الآلة الطابعة بالعربية، وكانت الدروس الأولى في تعلم الطباعة تقتضي النقر باستمرار على هاته الأحرف، بهذا الترتيب، لغايات تعلّم الطباعة على الآلة الكاتبة بشكل سليم.
في الزمن الحالي تعلم الناس النقر على الكمبيوتر بطرق مختلفة، لكنها تتفق في معظمها على النقر بأصبع واحد قد يساعده أصبع آخر في الملمات، وتم التغاضي عن طريقة «كمنتات شسيبلب»، ولك حرية اختيار الأصبع من السبابة حتى الإبهام، مرورا بالوسطى.
هذا الانتقال، في الواقع، كان انتقالا نفسيا واجتماعيا ايضا، انتقال من التنظيم إلى العشوائية، ومن المجتمعية إلى الفردية ..من السرعة المنظمة إلى السرعة الفوضوية. وهو انتقال اقتضته طبيعة المرحلة الزمنية، حيث الفردانية والواقع الافتراضي الذي يختلط، بنسب متفاوتة، بالواقع الحقيقي، بحيث لا يسهل التفريق بينهما. هذا الإنتقال كان الضريبة التي يدفعها مستهلك التكنولوجيا لمنتجها.
صاحب هذا الانتقال انتقال آخر من مفهوم العروبة الشاملة والثقافة العربية والعالم العربي الى مفاهيم طائفية تجعل من كل مجموعة بشرية جزيرة منفصلة عن الآخرين وتتحارب معهم على حصص الماء والكلأ-حتى لو كانت من ذات الديانة-لكأننا بعارين في صحاري مجدبة.
هذا الانتقال أضعفنا كثيرا، وتحولنا من كتلة ناطقة بالعربية – تحتوي الشعوب الأخرى في المنطقة-مؤثرة وجاذبة، إلى كتل صغيرة متناحرة ومتفاخرة على بعضها، طبعا دخلت كتل أكبر على الخط لتقود تناحرنا بشكل او بآخر، لنتحول من لاعبين الى كرات يلعب بها الآخرون.
ما الحل ؟؟؟
هل ننتمي إلى احدى الكتلتين ونحارب الأخرى ؟؟؟ لا أعتقد أن هذا هو الحل، بل هو المشكلة في الأساس.
الحل الأفضل هو الغاء التفكير المذهبي بتاتا، والشروع في عملية عودة لحمتنا، أو البحث عن طرق اخرى، لكن بشرط الابتعاد عن المذهبية التي لن ننجح، تحت رايتها الحمقاء، إلا في تدمير أنفسنا وتحقيق احلام الإمبراطوريات المتصارعة على عالمنا العربي المتمدد كالجثة بين قارتين وطائفتين تحتضران على صدور بعضهما.
أعرف إني هنا رومانسي وإنشائي، لكن هذا كل ما املكه: الأمنية والحلم.