بين الحقيقة وضبايتها وغيابها بشكل مطلق، تبعثرت تفاصيل مشهد الحرب الروسية الأوكرانية، فلم تعد محسومة بشكل واضح يضع نقاط الواقع على كلمات صمّاء تحكيها كل وسيلة اعلامية باختلاف كامل عن الأخرى، سواء كان في وصف واقع الحال أو في المفردات ومعانيها التي تُستخدم، وحتى في الصور التي تبث، ولذلك بطبيعة الحال تفسيرات مهنية اعلامية وصحفية يدركها الصحفيون والاعلاميون بشكل دقيق، ولكن في محصّلة الأمر كل هذا على حساب الحقيقة .
حتما الدخول في تفاصيل هذا الجانب يُدخلنا جميعا في متاهات لا علاقة لنا بها، كما أنا تماما، لكن ودون أدنى شك أن هذه الحرب كشفت جانبا غاية في الأهمية، أو أعادته لواجهة الاهتمام، ألا وهو دور الاعلام في الأحداث، ومدى أهميته في نقلها ولا نجافي الحقيقة إذا ما قلنا في إدارتها، وأنا هنا أعني الاعلام بكافة وسائله المهنية، مقروءة «الصحافة» ومرئية ومسموعة والكترونية «المواقع الاخبارية»، ولا يمكن تحييده عن أي حدث أو قضية وابعاده عنها أو تغييبه، فهو ليس فقط ناقلا للمعلومة، إنما شريك أساسي اليوم في إدارة الأحداث.
مداخل كثيرة يمكن أن نختارها لأي قراءة أو تحليل أو دراسة لأهمية الصحافة والاعلام، وربما الحرب الروسية الاوكرانية مدخلي كونه الحدث الأحدث اليوم، والذي برز فيه أهمية الاعلام، وأعادت أهمية الاهتمام بوسائله كافة وتمكينها إلى واجهة الحدث محليا وحتى دوليا، في وقت ظنّ البعض أن عزوفا طال متابعته، أو قصورا في رسالته على الرغم من أهميتها ومصداقيتها.
ولا يمكن اغماض العين عن اهتمام الأردن بالصحافة والاعلام، والمتابعة المستمرة من قبل الحكومة لهذا الملف، التي لم تأل ولن تألو جهدا في سبيل بقائه شريكا حقيقيا في تفاصيل كثيرة من القضايا المحلية، وليس فقط ناقلا للمعلومات، لإيمان الحكومة بأهمية وسائل الاعلام كافة في نقل المعلومة الصحيحة وإدارة الحدث اعلاميا بشكل مهني، ومصداقية عالية، وتوفير البيئة الصحيّة للقيام برسالته تشريعيا واجرائيا.
الاعلام اليوم جزء من الأحداث، لا يمكن اقصاؤه عن أيّ من التفاصيل مهما كانت كبيرة أو صغيرة، يجب ادراك هذا الجانب من الجميع، بدءا من الصحفيين والاعلاميين أنفسهم، وفي ذلك مسؤولية مهنية ورسمية، مؤطّرة بمسؤولية وطنية تضع مصلحة الوطن والمواطن على رأس هرم أي أجندة تخص الاعلام والصحافة، وحتما لا يوجد أي وسيلة لتبادل المعلومات تنافس وسائل الاعلام التي اختار لها البعض مسمى التقليدية أو النمطية، ولا تسابقها في الدقة والمعلومة الصحيحة، ففي عالم وعلم تبادل المعلومة ليس مهمّا حجم الانتشار بقدر حجم التأثير، وما يزال الاعلام والصحافة هما المؤثران في ماراثون حضور المعلومات، فأهميتها تجدد ذاتها مع كل حدث أو قضية.