مكرم أحمد الطراونة - تحولات عديدة تشهدها علاقات الدول البينية في مختلف القارات، تنحاز أكثر فأكثر للمصلحة الخاصة بعيدا عن أي تجاذبات سياسية أو اقتصادية، أو عسكرية. اليوم كل دولة تطوع سياساتها الخارجية لمنظورها فقط.
روسيا لم تكترث لكل العقوبات والدعوات العالمية، وذهبت في حربها على أوكرانيا من أجل الدفاع عن حدودها وأمنها. تركيا لم تتردد في استقبال رئيس دولة الاحتلال الصهيوني بهدف تحسين العلاقات الثنائية، بينما دول عربية حولت مفهومها تجاه إسرائيل بما يتماشى ومصالحها ورؤيتها الخاصة. من حق كل دولة أن تجد لنفسها إستراتيجيتها التي توائم تطلعاتها وأهدافها.
ومع “أضحوكة” الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان والإعلام النزيه المحايد، التي بسببها غزا الغرب دولا كان يعتبرها دكتاتورية، مدمرا بناها التحتية، ومزهقا أرواح شعوبها، ليعيدها إلى العصور الحجرية، حان الوقت لأن تعيد الشعوب في الدول المستضعفة المقهورة حساباتها تجاه كل ما تراه يلمع في دول غربية، وأن تؤمن بأن النخر في جسم دولهم لا يخدمهم ولا ينهض ببلادهم.
لا أقصد من ذلك هو عدم مراقبة أداء الحكومات، أو السكوت عن الفساد والفاسدين، أو التوقف عن المطالبة بالحريات، أو عدم توجيه انتقادات للسياسات العامة، لكن ما أود التأكيد عليه هو أن يخضع التقييم لقاعدة مفادها أن الأولوية القصوى اليوم هي مصلحة البلد الذي نعيش فيه، وإعادة الألق لمفهوم الانتماء والولاء، خصوصا أن التنمر والرفض طال كل شيء.
منذ عقود نسمع عن رفض زج الرياضة بالسياسة، وقد عشنا عقوبات لحقت ببعض الرياضيين ممن تضامنوا مع القضية الفلسطينية، واليوم أصبحت الرياضة أداة من أدوات الحرب، وتستخدم كعقوبات رادعة، حيث لم تعد تقف على الحياد باعتبارها رمز التنافسية في العالم أجمع. وكذلك سقطت مواقع تواصل اجتماعي في بحر التناقض والازدواجية، ففيسبوك وانستغرام تخليا عن سياستهما الرافضة لنشر العنف، بالسماح مؤقتا بمحتوى يدعو للعنف ضد الجنود الروس في بعض البلدان في سياق غزو أوكرانيا.
المعادلة كما ذكرنا تتغير، ولم تعد خاضعة للمنطق والمبادئ، وأخلاقيات العلاقات الدولية، والقانون الدولي، وبات لكل دولة قانونها الخاص، فعمت الفوضى في أرجاء المعمورة، وهذا مؤشر خطير يدل على أن شريعة الغاب هي من تحكم، وهي التي تحرك دمى السياسة العالمية.
أردنيا، لسنا طرفا في الصراع العالمي الدائر الآن، وتربطنا علاقات طيبة مع مختلف الدول، وهي علاقات أفرزت ثقة عالمية بالمملكة، وأثمرت عن استمرار حصول الأردن على دعم كامل من قوى العالم، كان آخرها إقرار واشنطن أمس دعما ماليا للأردن قدره 1.65 مليار دولار.
في ضوء ما يشهده العالم فكل ما يعنيني كأردني هو أن أرى بلدي قادرا على تحقيق الاستفادة القصوى من التحولات العالمية الجديدة، وأن تتمكن سياستنا الخارجية من تحقيق توازن في علاقتنا مع الدول، من شأنه أن يعود بالنفع على البلد وشعبه.
بعد اليوم لا ثقة بمفاهيم الحريات، وحقوق الإنسان، وحيادية الإعلام، التي ينادي بها الغرب، فالثقة الوحيدة تكمن فقط في الإيمان بأنه لا يوجد دولة في العالم معنية بنهضة أردنية. الحرص يتأتى منا فقط دون غيرنا!