كان أهل الطفيلة يتوجهون طيلة عشرات الأعوام إلى الخليل للصلاة في الحرم الإبراهيمي الشريف والتبرك بأبي الأنبياء.
وكانوا يزودون الحرم الإبراهيمي بزيت الزيتون لإنارة مصابيحه طيلة عشرات الأعوام.
وكان الطفايلة، واهل الجنوب عموما، يفرزون كل عام بفرح واعتزاز، «مُدْ الخليل» من بيادرهم، ويرسلون الغِلال الوفيرة التي تتجمع، إلى أهلهم في الخليل، التي هي اقرب إلى الطفيلة من عمان، للإنفاق من ثمنها، على صيانة الحرم الإبراهيمي الشريف، لا لقلة عند الخلايلة، أهل النخوة والفداء، بل كبَركة يؤدونها «من راس الكوم».
و المُدْ (بضم الميم) شرعا، الذي كان يُكال به أيام الرسول الحبيب، يساوي حفنتي رجل معتدل، بما يعادل 500-600 غرام.
والمُد عند الشافعية والحنابلة، هو نصف كيلوغرام تقريبا. في حين أن المُد يساوي في حسابات فلاحي بلادنا نحو 8-10 كيلو غرامات !
لقد ظل هذا الالتزام، الذي يملأ أبناء الطفيلة والأردن فخرا، مستمرا بلا انقطاع، إلى أن جثم الاحتلال الإسرائيلي الاغتصابي، على الضفة الغربية في حزيران 1967.
ويتصل بي من مدينة خليل الرحمن المحتلة الصامدة، الغالية على قلوبنا، الحاج أسعد حامد السكافي- أبو فضل وصديقي اللواء المتقاعد محمد أمين الجعبري -أبو نضال.
الحاج أبو فضل أفرحني بخبر أنه شخصيا وأهل الخليل عامة، يستمعون إلى إذاعة جامعة الطفيلة التقنية، التي يصلهم أثيرُها بكل صفاء ووضوح، وهم يتابعون هذه الإذاعة لتميز برامجها وتنوعها ووطنيتها، ومحبةً بالأردن الذي يكنون له التقدير والاحترام.
وقد طلبت من الصديق الكابتن العميد الطيار محمد فياض الخوالدة رئيس اكاديمية الطيران الملكية الأردنية، تزويدي بالمسافة الهوائية بين الطفيلة والخليل، فقال إنها 104 كيلومترات، وقال إن المسافة الهوائية بين الطفيلة وعمان هي 143 كيلومترا، وبين عمان والخليل 97 كيلومترا. أي إن عمان اقرب إلى الخليل من الطفيلة، وان الطفيلة أقرب إلى الخليل من عمان.
هذه المسافة الضئيلة، تؤكد وحدتنا القومية الأزلية، وحدة الهلال الخصيب، بلاد الشام (الاردن، فلسطين، سوريا ولبنان) والعراق.
من يزر الخليل والحرم الإبراهيمي الشريف، يعرف حجم الانتهاكات الإسرائيلية التي مزقت الحرم واقتطعت منه غرفا واقساما، وأبقت للمسلمين قسما صغيرا منه. ويدرك حجم معاناة أهل الخليل البواسل، الذين يتصدون كل ساعة ويوميا للمطامع اليهودية التي لا تنتهي في بلادنا ومقدساتنا.