مهدي مبارك عبد الله - القبة الحديدية نظام دفاع جوي بالصواريخ ذات قواعد متحركة طورته شركة رافئيل الإسرائيلية لأنظمة الدفاع المتقدمة عام 2010 والهدف منه اعتراض الصواريخ وقذائف المدفعية والطائرات المسيرة التي تستهدف المناطق المأهولة بالسكان وهو مصمم للعمل في جميع الأحوال الجوية حيث يعد خط الدفاع الأول والأساسي لدى إسرائيل ضد وابل الصواريخ قصيرة المدى القادمة من قطاع غزة
نصب الجيش الاسرائيلي البطارية الأولى للقبة الحديدية في مارس 2011 بالقرب من مدينة بئر السبع الجنوبية على بعد نحو 40 كيلومترا من قطاع غزة الذي أطلقت حركة حماس منه عشرات الصواريخ تجاه المدن والمستوطنات الاسرائيلية وتم لاحقاً نشر بطاريات أخرى قرب المطارات والموانئ وتجمعات الجيش ومدينتي عسقلان وأشدود وجنوب تل أبيب وبمحاذاة مدينة نتيفوت الواقعة على مسافة 20 كيلومتراً من حدود غزة
خلال التجربة العملية حلت بمنظومة القبة الحديدية منذ دخولها إلى الخدمة العسكرية سلسلة طويلة من الفشل والاخفاقات تمثلت بتعاطيها مع كل جسم حراري حيث يتم تشغيلها للتصدي لأعيرة نارية صغيرة الحجم لا تصنف كقذائف وهي اقل فاعلية وبشكل ملحوظ أمام ضربات توجه إلى أهداف محددة وقصيرة المدى
مرات عديدة سقطت صواريخها داخل أراضي الـ 48 كما فشلت في اعتراض صواريخ المقاومة الفلسطينية المكثفة في حربها الأخيرة على غزة والتي اثبت بعضها قدرة عالية على تجاوزها إضافة الى مشكلة قصر نطاقها في عمليات الاعتراض وإطلاق صواريخها في مرمى بعيد نسبياً عن خطوط عملها ومؤخرا فشلت بشكل ذريع في اسقاط طائرة حزب الله المسيرة حسان التي تجولت في العمق الفلسطيني ورجعت الى قاعدتها في جنوب لبنان محملة بالصور والمعلومات
وفي كثير من الحالات كانت القبة الحديدية تعترض الصواريخ فوق المنطقة المستهدفة ناهيك عن عجزها عن اعتراض الصواريخ الباليستية التي يتم إطلاقها على المديين المتوسط والبعيد وعدم قدرتها على التعامل مع الصواريخ الدقيقة والقادرة على المناورة وأحيانا كان يتم إطلاق صاروخين لاعتراض صاروخ فلسطيني واحد وما يتطلب ذلك توفير مخزون كاف من الصواريخ بعدة مليارات من الدولارات لتشغيل أنظمة القبة ولفترة محدودة وهو بكل تأكيد مرهق من ناحية الموازنة العامة ومن الناحية الأمنية والنفسية للمجتمع الاسرائيلي
المقاومة الفلسطينية في المواجهات المتتالية كانت تعتمد تكتيك إطلاق كمية كافية من الصواريخ على موقع محدد خلال فترة زمنية قصيرة وهو ما مكنها من اختراق شبكة القبة الحديدية وإلحاق الخسائر الكبيرة بالبنيات التحتية الحيوية والمناطق المأهولة بالسكان
الا انه وبالرغم من سجل اسرائيل الاسود في مجالات حقوق الانسان وانتهاكاتها واعتداءاتها المستمرة على الفلسطينيين وكل ذلك الفشل الكبير للمنظومة الدفاعية التي طالما ادعى الاحتلال أنه جلب من خلالها الأمن والأمان لمستوطنيه بمحاذاة القطاع ومدن الداخل فقد وافق مجلس النواب الأمريكي يوم الخميس الماضي على منح اسرائيل تمويل عسكري بقيمة مليار دولار
كانت تل ابيب طلبتها خلال لقاء وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس مع نظيره الأمريكي لويد أوستن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفا كمساعدة طارئة بحجة تجديد مخزون صواريخ منظومة القبة الحديدية الاسرائيلية من نوع ( تامير ) الاعتراضية المضادة للصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى التي تنتجها شركة رايتمان الأمريكية
معظم المخزون الصاروخي للقبة استنفذ في التصدي للقذائف التي أطلقتها الفصائل الفلسطينية على المناطق الإسرائيلية من قطاع غزة خلال العدوان الاخير في أيار عام 2021 الذي استمر 11 يوم حيث اطلقت المقاومة حينها 4500 صاروخ كلفة الصاروخ الواحد للقبة الحديدية تساوي 50 ألف دولار وسعر البطارية الواحدة 50 مليون دولار ( استخدام صاروخ بآلاف الدورات لإسقاط صاروخ ببضع مئات من الدولارات ) اذا أسطورة القبة الحديدية الإسرائيلية انتهت فعلا
اسرائيل تعتبر الدولة الوحيدة عالميا التي تحصل على المساعدات الأمريكية دون اي شروط وهي تحتل المرتبة الاولى دون منازع في تلقي الاموال الامريكية منذ الحرب العالمية الثانية حيث حصلت على ما يقارب 146 مليار دولار في شكل مساعدات مختلفة وقد منح الكونجرس اسرائيل مزايا تفوق أكبر حلفاء أمريكا لضمان ما تسميه تفوقها النوعي العسكري في المنطقة
وفي الوقت الذي ترغب فيه اسرائيل أن تكون من أكبر اللاعبين الكبار في سوق بيع أنظمة الدفاع الجوي فان فشل منظومة القبة الحديدية المتكرر أثر بشكل كبير على سوق التجارة العسكرية الاسرائيلية حيث تخلت العديد من الدول عن شرائها كالصين والهند وغيرها فيما تجري بعض الدول إعادة تقييم لعقد صفقات بشأنها كالإمارات والمغرب حتى ان الكونغرس الامريكي الغي عام 2021 شراء بطاريتين من القبة الحديدية لصالح منظومات محلية الصنع
كما وافق مجلس النواب الأمريكي في ذات الجلسة على اقرار المساعدة العسكرية السنوية لكيان الاحتلال بمبلغ 3.8 مليار دولار والتي تهدف في الاساس ضمان أمن المستوطنين الإسرائيليين على كل الأراضي المحتلة والمحافظة على التفوق العسكري في المنطقة والتي ستكون بحاجة لمصادقة مجلس الشيوخ في المرحلة التالية وتوقيع رئيس الإدارة الأمريكية لجعله أمرا نافذا وهي مجرد إجراءات شكلية
التداعيات السلبية لاعتماد إسرائيل على القبة الحديدية والدعم الأمريكي لشراء كم كافي من الصواريخ باهظة الثمن تتجسد في أن مخزون صواريخ الاعتراض ينعكس على القرار السياسي والعسكري ويدفع إسرائيل لضبط ردها في بعض الحالات بشكل يؤثر على قوة ردعها المتفوقة
وفي هذا السياق نتسائل كيف سيكون حال تل ابيب لو طلبت إيران من حزب الله تنفيذ عمليات ضدها بعد أيام من انتهاء الحرب الأخيرة على قطاع غزة هل سيكون بإمكانها الرد أو احتواء الحدث للتوضيح يذكر أن حزب الله اعترف بإطلاق رشقات صاروخية تجاه البلدات الإسرائيلية في إطار رده على الانتهاكات الإسرائيلية وقد تبنت إسرائيل حينها سياسة ضبط النفس وتعهدت بالرد في الوقت والمكان المناسب
دعم واشنطن للقبة الحديدية الإسرائيلية بمليار دولار يؤكد تماهي واشنطن مع سياسات الاحتلال العدوانية ويثبت أن الإدارة الأمريكية منحازة وشريكة مع الاحتلال الإسرائيلي في معركته وجرائمه ضد الشعب الفلسطيني وقتل تطلعاته الوطنية والاصطفاف إلى جانب قادة العدو المجرمين
مع العلم بأن هذا الدعم المتواصل لن يحمي كيان الاحتلال او يحصنه من ضربات من صواريخ المقاومة التي صنعت بأيدي فلسطينية بعيداً عن وسائل التكنلوجيا الحديثة ومع ذلك لم تستطع القبة الحديدية المتطورة أن تصد 90% منها يوم زرعت الرعب بداخل كيان الاحتلال الإسرائيلي
وفي ظل استمرار وتصاعد جرائم الاحتلال ضد مدينة القدس والمسجد الأقصى يجب على الأمة العربية والإسلامية تصويب بوصلتها تجاه دعم الفلسطينيين ومقاومتهم للدفاع عن الارض والوجود والمقدسات الإسلامية وعلى السلطة الفلسطينية بعد الموافقة على هذا القرار عدم الاستمرار في اتفاقيات التنسيق الأمني المشين والتعويل على العلاقات مع الإدارة الأمريكية واتخاذ موقف لمواجهة انحيازها لمستمر مع الاحتلال الإسرائيلي
هنالك العديد من الجماعات الموالية لإسرائيل في أمريكا ضغطت على أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي للموافقة على تمويلٍ اسرائيل بالمليار دولار لتجديد نظام القبة الحديدية وقد حثت ثماني منظمات شملت جمعية المسيحيين المتحدين من أجل إسرائيل والاتحادات اليهودية لأمريكا الشمالية ورابطة مكافحة التشهير بالإضافة الى زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر وزعيم الأقلية ميتش ماكونيل على المضي قدمًا بشكل عاجل في الموافقة على التمويل
كما وقف اعضاء من الكونجرس من بينهم ألكساندريا كورتيز ورشيدة طليب والهان عمر وعدد اخر من الأعضاء من الديمقراطيين التقدميين لعرقلة تمويل القبة الحديدية وإعادة بنائها وهم من بين أولئك الذين ضغطوا في السابق لمنع وصول الأسلحة إلى إسرائيل خلال حربها الأخيرة على القطاع
السؤال المنطقي الذي طرحه رئيس لجنة الاعتمادات في الكونجرس عام 2021 السناتور الديمقراطي المخضرم وأقدم أعضاء الكونغرس( باتريك ليهي ) نائب ولاية فيرمونت والذي تقاعد بعد سيرة دامت 5 عقود في أروقة السياسة الأمريكية حين ابدى شكوكه للسرعة في تمرير المليار دولار لإسرائيل قائلا اسرائيل لم تستخدم إسرائيل بعد المال الذي تم تخصيصه لها في العام السابق لتكون بحاجة لمليار جديد لدعم مخزون قبتها الحديدية وان اسرائيل دولة غنية ولديها القدرة على تمويل القبة دون الحاجة للدفع من اموال الضرائب الأمريكية
ومن المهم هنا الإشارة إلى أنه ومنذ العام 2011 منحت الولايات المتحدة ما يقارب 1.7 مليار دولار لتمويل القبة الحديدية في إسرائيل إضافة إلى 3.8 مليار دولار المساعدات السنوية التي أقرت في العام 2016 ولمدة عشر سنوات بناء على مذكرة التفاهم التي تم توقيعها بين الرئيس الأسبق باراك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نتنياهو والتي بدأت فعاليتها منذ العام 2019 وستستمر حتى عام 2028
يذكر أن إسرائيل استثمرت مؤخرا في منظومة دفاع جوي جديدة تعمل بالليزر تدعى الشعاع الحديدي وقد وعدت بتعويض نقائص النظام الحالي الا إنه من السابق لأوانه تقييم فعالية المنظومة بشكل كامل على ساحة المعركة
بعيدا عن الموانع السياسية كان الجانب العسكري والعملياتي الأهم في منع إسرائيل من تزويد أوكرانيا بمنظومة القبة الحديدية ان الجيش الروسي يملك منظومات صواريخ ( فرط صوتية ) يمكنها تدمير منظومة القبة الحديدية والذي سوف يمثل ضربة إحباط إضافية وسمعة سيئة للغاية لمنظومة لا زالت إسرائيل تعتبرها ( قبة حديدية ) ولو حتى بالاسم
mahdimubarak@gmail.com