وباء كورونا كان الشرارة الاولى في انقلاب النظام العالمي وانهيار منظومة القطبية والاحادية الامريكية .
و في تداعيات الازمة الاوكرانية اليوم ثمة اثار حية وماثلة لانقلاب اكبر في النظام العالمي .
العالم اليوم يعيش اضطرابا كبيرا ، والنظام العالمي المتشكل بعد الحرب العالمية الثانية قد استهلك حقائق كثيرة ، وبات حتميا امام اعادة اصلاحه وترميمه ، والقفز فوق فراغات الاحادية والقطبية الامريكية .
وما بين ازمتي : كورونا واوكرانيا انفضح النظام العالمي ، ووجب حتميا مراجعة العلاقات الدولية في ضوء ازمات كاشفة .
و في كورونا ، طرحت اسئلة حول الخدمات الصحية وغيرها ، وسؤال اكبر عن معاني الموت والحياة ، وابادة الوباء ، والحجر الكوني والحظر الشامل ، وكيف داهم الفايروس حياتنا وقلبها راسا على عقب !
و كيف كانت مظاهر الموت الجماعي في شوارع اوروبا ودول الغرب ؟ وكيف تقاعست امريكا عن القيام بادوارها في الدعم والرعاية والتعاون الطبي والصحي مع اصدقائها وحلفائها في العالم .
اوروبا بقيت لشهور تئن تحت وطاة الفايروس ، وكادت تشتعل حروب في عرض البحار والمحيطات ، وبسبب باخرة تقل كمامات ومعدات طبية كانت في طريقها من الصين الى المانيا وفرنسا ، وقد اعترضتها قوة عسكرية بحرية امريكية .
امريكا لم تمد يد العون والاغاثة لاقرب واعز الاصدقاء والحلفاء ، وانكفت في ادارة ازمة الوباء ذاتيا ، فما بالكم في علاقتها مع الدول الاشد فقراء في افريقيا واسيا والشرق الاوسط ؟
كورونا خدشت صورة امريكا ودول اوروبا والغرب ، وصورة امريكا القوة المطلقة والمخلص والقوة الوحيدة على الكرة الارضية منذ نهاية الحرب الباردة .
ترامب اختار ادارة الفايروس في الهجوم على الصين وشيطنته .. واتهام الصين بانه مصدر الوباء ، وان الفايروس قد خرج من مختبرات صينية ، وتدفقت الرواية الامريكية لتغزو العالم .
و على منوالها اليوم تحيك امريكا رواية اعلامية مصاغة بحنكة عن ازمة اوكرانيا ، وشيطنة بوتين والدولة الروسية ، وصناعة « اوهام الناتو» عن الازمة الاوكرانية ، والترويج لروايات اللجوء الانساني للاوكرانيين واستهداف المدنيين افرادا ومنشآت .
و احتكرت امريكا توزيع اللقاحات ، وساد في العالم امبرالية طبية . وانفردت امريكا دون صفة شرعية في قيادة العالم ، واعادة توجيه ادارة ملف ازمة الفايروس.
اختفى التضامن الدولي ما بين امريكا وحلفائها التقليديين والجدد .. وظهر في الاعلام والراي العام الدولي ان اوروبا تحولت الى عبء ثقيل على امريكا .
فماذا اختلفت ازمة اوكرانيا ، اذن ؟ وسط نظام عالمي متهالك ومازوم ، وبات من الضروري والملح بان يتغير وتستبدل ادوات اللعبة وقواعدها ومعاييرها .
اوكرانيا اليوم ساحة لصراع مراكز قوى عالمية ، وارادات صراع لقوة كبرى ولتحالفات قد تبدل وتغيير وجه النظام العالمي . وما بين الصعود الصيني والتحالف اللامرئي مع روسيا ، فان النظام العالمي يعيد ترتيب اوراقه .
الناتو انكشف استراتيجيا ، وحدود الناتو غير قابلة للمتدد ، والتدخل الروسي في اوكرانيا تثبت معادلة جديدة للاوزان والاحجام الدولية .
ازمة اوكرانيا اسست لعلاقات جديدة ، قلبت الطاولة على هيبة امريكا والناتو وبنية النظام العالمي . واقرب ما يكون العالم اليوم يستعيد عافيته وتوازنه ، والعالم في الشق الجنوبي من الكرة الارضية يبحث عن استقلايته وخلاصه وتحرره اقتصاديا وسياسيا ووبائيا.