الحديث عن الاصلاح الاداري لا يقتصر على ما يتم طرحه بين الحين والآخر من إعادة هيكلة وترشيق الجهاز الحكومي بالغاء وزارات أو دمجها، هو ملف أكبر من ذلك رغم أهمية كل ما سبق، ففي رفع مستوى الخدمات للمؤسسات الحكومية تحديدا تلك التي تشهد اقبالا جماهيريا كبيرا وغياب الواسطات فيها وأتمتة كافة إجراءاتها وربطها بنظام الكتروني واحد كل هذه تفاصيل اصلاحية هامة وأساسية في الاصلاح الادراي، والذي حققته عدة مؤسسات ووزارات فيما لا تزال أخرى لم تخط خطوة واحدة لتحقيقها.
عندما تم تحديد أوجه الاصلاح بالسياسي والاداري والاقتصادي، بدت مفاتيح دخول المئوية الثانية لتأسيس المملكة واضحة ومحسومة، وبطبيعة الحال تم انجاز خطوات واسعة في الاصلاح السياسي والاقتصادي، فيما يبقى الاعلان عن معالم الخطة الرسمية للاصلاح الاداري، وفي هذه الأثناء يمكن أن نلحظ بوضوح خطوات عملية قامت بها مؤسسات حكومية لجهة الاصلاح الاداري، وقطعت بذلك أشواطا، ويمكن لأي مواطن أن يلمس هذه الخطوات بوضوح بمجرد دخولها أو دخول أحد مكاتبها أو فروعها، من خلال مستوى الخدمات المقدّم وحوسبة كافة الاجراءات وسرعة انجاز المعاملات، غياب أي شكل من أشكال الواسطة بها.
وربما يكون التركيز على هذا الجانب فيما يخص الاصلاح الاداري، وحثّ وتمكين كافة المؤسسات لتكون في مجملها تسير على نهج رفع مستوى الأداء والخدمات، وأتمتة عملها، الذي من شأنه تغييب الوساطة، اضافة لسرعة انجاز المعاملات وغياب فوبيا المعاملات الرسمية وتعدد اجراءاتها وطول مدة انجازها، وفي ذلك قطع لنصف طريق الاصلاح الاداري، وتطبيق ذلك على أرض الواقع، بحسم وحزم، ذلك أن الحديث عن هذه الرؤى مرّ عليه زمن طويل، لكنه للأسف ما يزال في الكثير من المؤسسات بعيد المنال، ولم يطبق منه أي خطوة للأمام، الأمر الذي يجعل من التطبيق حاجة ملحّة خلال الفترة المقبلة التي تسير بها البلاد في درب الاصلاح.
يمكن القول أن هذا النوع من الاصلاح الاداري أصبح نهج عمل عند عدد من المؤسسات يمكن أن نأخذ منها مثالا دائرة الأحوال المدنية والجوازات سواء كان في مكتبها «المركز» أو في مكاتبها الموزّعة بأنحاء المملكة، أذكر منها هنا مكتب «تلاع العلي» حيث راجعته أمس لتجديد جواز السفر، فلم يستغرق اجراء المعاملة بكافة تفاصيلها الربع ساعة، وجرى ذلك بكل سهولة ويسر دون أي تأخير أو معيقات، وعلى «الدور الالكتروني» وبسرعة نتيجة أتمتة خدمات الدائرة فكانت المعلومات متوفرة دون أي تأخير أو انتظار، ويمكن القول أن في هذه الاجراءات أبرز عناوين الاصلاح الاداري، وأهمها، وأكثرها الحاحا لتطبق في كافة المؤسسات التي لم تصل بعد لهذه المرحلة من التحديث، والاصلاح، سيما إذا كانت تستقبل معاملات بعدد كبير كدائرة الأحوال المدنية والجوازات.
وفي ذات السياق، وفي واحدة من أبرز المؤسسات التي وصلت إلى رأس هرم الاصلاح والتحديث الاداري، إدارة ترخيص السواقين والمركبات، التي جعلت من عملية ترخيص السيارة غاية في السهولة والسرعة، واغلاق أي باب لعقبات قد تواجه مراجعيها، جاعلة من هذه المهمة هي الأسهل والأسرع بين كل المعاملات والإجراءات الرسمية، ليس فقط في تسيير الإجراءات إنما أيضا في آلية التعامل بوجوه بشوشة تسعى جاهدة لتقديم الأفضل.
وبطبيعة الحال هناك عدد من المؤسسات والوزارات التي تنتهج رؤى اصلاحية واضحة تنعكس على الخدمات التي تقدمها للمواطنين، لكن للأسف ما تزال هناك مؤسسات ودوائر تعاني من تشوهات في عملها، دون الأخذ بأي خطوة نحو الأمام فيما يخص التحديث والتطوير بل على العكس تشهد تراجعا بين الحين والآخر بهذا الشأن.
اليوم والبحث جار للوصول لمنظومة اصلاح اداري يجب الأخذ بهذا النهج الذي قطعت به مؤسسات شوطا، وجعله نموذجا يحتذى في الاصلاح والتحديث الاداري.