ماهر ابو طير - لا يمكن لكل الخطاب الرسمي أن يكون له اي قبول، ما دام الواقع يختلف تماما عن الصياغات التي يتم سردها على مسامع الناس، وهذا الفرق كبير، فالناس يسمعون شيئا ويرون شيئا آخر.
بمجرد ان تم دق طبول الحرب بين روسيا واوكرانيا، بدأت الاسعار بالتغير في الأردن، والذي يذهب الى الاسواق يكتشف ان كل شيء يتغير، من سعر حديد البناء، مرورا بسعر الباذنجان، وصولا إلى سعر الأرز وزيت القلي، بما يجعلك تشعر ان للبلد سفناً عالقة في البحر الاسود، وبسب تأخير وصولها ارتفعت الاسعار بطريقة غير محتملة، وهذا واقع لا يعبر عن فرط الحساسية تجاه التغيرات، بل يعبر عن أننا نعيش في فوضى وكل واحد يفعل مايريد، ما دامت وسائل الرقابة والمتابعة والتدخل غائبة، والكل يسرح حيث يريد، والكل يبذل جهده لتبرير ما يحدث فيما الأردني يدفع الثمن وحيداً في هذه الحياة.
نقترب من رمضان، والتجار يصيحون من ظلم الحكومات ومن الضرائب والجمارك والرسوم، والحكومات تصيح من وضع الخزينة وتقول هل من مزيد، والشعب بينهما لا يعرف اين الحقيقة، وكل ما يعرفه هو انه يدفع الثمن مرتين، مرة بسبب هذا التدهور في الاسعار، ومرة بسبب عدم تدخل احد لوقف ما نحن فيه، واذا كان الغلاء طبيعيا بسبب ما يحدث في العالم، الا انه ليس طبيعيا منذ الايام الاولى للحرب، بطريقة تقول لك ان الأردن له اسهم في بورصة نيويورك، وله استثمارات في موسكو، وتضرر سريعا من الحرب، اسرع من دول عظمى، ودول صغرى.
لا بد من تدخل رسمي، عبر قيام الحكومة الموقرة بجمع كل الجهات من وزارة المالية، الجمارك، والتجار والمزارعين الكبار والصغار، وما بينهما، ومراجعة هذا الوضع، ومعرفة المخزون المتوفر من كل السلع، ووضع سقوف لأسعار السلع المخزنة من قبل الحرب، وايجاد حلول للسلع التي سيتم استيرادها وفقا للتطورات الجديدة، اما بقاء الناس نهباً تارة لقصص كوورنا وارتفاع اجور الشحن وتقطع سلاسل التوريد وغير ذلك، وتارة بسبب حرب روسيا واوكرانيا، وتارة بسبب الصقيع، فهذا امر لا يمكن احتماله، لأنه يجلد ظهر شعب اغلبه فقير ويعاني اقتصاديا.
الكل يصيح، إذ حتى الكلام عن إغلاق 300 مطعم شعبي صغير من مطاعم الحمص والفول والفلافل، بسبب ارتفاع كلفة المواد الاولية، وعدم رفع الاسعار وفقا لما يريده اصحابها، يؤشر في حالة دقة الرقم المعلن، على تغيرات حادة، فلا اصحاب المحلات صامدون، ولا المواد الاولية بقيت بسعرها، برغم ان اغلبها مخزن، ولم ينقطع بسبب الحرب، ولا الناس قادرون على تلبية احتياجات بيوتهم، ولا تعرف هل تتبسم بمرارة، او تدمع عينيك، حين تشتعل الحرب الكونية، وينعكس الامر في يوم وليلة على ثمن حبة الفلافل في الاردن، وهو مشهد مريع حقا، يقول لك من جهة ثانية، اما نحن امام تجار لا يرحمون، واما نحن بلد بلا مخزون، ولا نحتمل ضربة شمس.
لتصحُ الجهات الرسمية، لأن الفاقة قد عمت، ولأن بيوت الناس تعاني، ورمضان على الابواب، ودعونا ان نتخلى عن قصة المنافسة والسوق الحر، لأن ما يجري يقول لك ان لا احد يوفر الاردني، ولا المقيم، من سيوف الغلاء، وطعنات خناجره، ولا بد من تدخل فاعل، بغير التوسل، والرجاء، والطلب من السوق ان يهدأ، فهو لن يهدأ بالحسنى، ولا بطيبة القلب والخاطر.
الحكومات لاتقوم بواجباتها، فلا هي ابوية، اليوم، ولا هي ايضا حكومات حقوق وواجبات، والكل ينهش الكل، ولا يسمع احد انين الصغار، واحراجات الكبار في هذه الحياة.