مهدي مبارك عبد الله - منذ أن بدأ الهجوم الروسي على أوكرانيا يوم 24 شباط سارعت الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة إلى تكثيف دعمها العسكري لكييف مع فرض عقوبات اقتصادية وسياسية غير مسبوقة على موسكو في مسعى منها لمنع تحقيق الرئيس الروسي بوتين انتصاراً عسكرياً واستراتيجياً في الأزمة الأوكرانية
مرات عديدة أعرب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن أسفه قائلا لقد تركنا وحدنا للدفاع عن بلدنا وانني لا أرى أحدا مستعدّ للقتال معنا في مواجهة الجيش الروسي وأن بلاده لم تعد تهتم بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي وهو أحد المطالب الروسية الأساسية لإيقاف الحرب وإن حلف شمال الأطلسي يخشى مواجهة روسيا
في 5 اذار الجاري ناشد زيلينسكي الكونغرس الأمريكي خلال اتصال بالفيديو عبر تطبيق زووم تحقيق المطالب الثلاثة الأساسية لأوكرانيا وهي فرض منطقة حظر طيران وحظر النفط الروسي، وإرسال طائرات عسكرية على وجه السرعة
بدأ التفكير الفعلي بإرسال طائرات مقاتلة إلى أوكرانيا في الأيام الأولى من بدء الهجوم الروسي خصوصاً بعد أن استهدفت القوات الروسية الدفاعات الجوية لأوكرانيا في اليوم الأول من الهجوم وبدا أن سلاح الطيران الروسي يسيطر بشكل كامل على الأجواء الأوكرانية قد وجدت استجابة من جانب مشرعين أمريكيين وجعلت إدارة الرئيس بايدن تناقش بالفعل الفكرة
خلال جولة لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى دول أوروبا الشرقية لإظهار الوحدة الغربية في دعم أوكرانيا تم الإعلان عن موافقة واشنطن على مقترح بولندا إرسال مقاتلات ميغ السوفييتية الصنع إلى أوكرانيا على أن توفر واشنطن لوارسو مقاتلات أمريكية الصنع للتصدي لأي هجوم روسي محتمل
الهدف من إرسال طائرات عسكرية سوفييتية الصنع هو أن الطيارين الأوكرانيين مدربون عليها بالفعل وسيكون أفضل لهم استخدام تلك النوعية من المقاتلات لهجوم الروسي
حيث بدا انها حسمت أمرها بالفعل وقررت تنفيذ المقترح البولندي لمساعدة الأوكرانيين وقد ابلغ بلينكن للصحفيين إن الأمر بات محسوماً وسيتم وضع اللمسات الأخيرة على طريقة التنفيذ بسرعة لإيصال تلك الطائرات العسكرية إلى كييف
استجابة لدعوة الرئيس الأوكراني زيلينسكي مطالبة الغربيين إرسال مقاتلات في أقرب وقت ممكن ورغم تحذير الكرملين أعربت بولندا مؤخرا عن استعدادها لوضع كل طائراتها السوفيتية الصنع من طراز ميغ -29 فورا ومجانا في تصرف الولايات المتحدة ونقلها إلى قاعدة رامشتاين في ألمانيا لتتولى واشنطن والناتو توصيلها إلى أوكرانيا
لكن الرد الأمريكي جاء رافضاً بشكل قاطع لتلك الخطوة خشية رد فعل موسكو والذي أغضب بولندا حيث قال مسؤولون بولنديون كبار إن تزويد أوكرانيا بطائرات حربية يجب أن يكون عبر حلف شمال الأطلسي بعيدا عن مواقف واشنطن
الرئيس الأمريكي بايدن أعلن مبكرا أنه لن يرسل أي قوات أمريكية إلى أوكرانيا في أي حال من الأحوال وحلف شمال الأطلسي أشار إلى أنه لن يرسل قوات لدعم أوكرانيا لأن المواجهة المباشرة بين الأمريكيين والروس ستؤدي إلى حرب عالمية ثالثة وقد اعتبرت واشنطن أن الاقتراح غير قابل للتطبيق
مع تزايد العقوبات الخانقة على روسيا حيث يرى محللون أن أمريكا تريد تطويق الرئيس الروسي بوتين من دون المغامرة باتساع رقعة الحرب لتشمل دولا أخرى ولم يتم اتخاذ أي قرار حتى الآن بهذا الشأن فيما يتواصل الهجوم الروسي وأوروبا تشهد أكبر حشد لقوات عسكرية منذ الحرب الباردة بوجود نحو150 ألف جندي روسي في محيط أوكرانيا وداخل أراضيها
القوات الروسية تعثرت في الأيام الأخيرة من التقدم الجغرافي نحو الشمال حيث لم يحرزوا تقدما كبيرا باتجاه كييف منذ عدة أيام بسبب المقاومة الأوكرانية والمشاكل اللوجستية والإمداد وهو ما دفعهم الى قصف المدينة بمزيج من الصواريخ والقذائف ونيران المدفعية والغارات الجوية ما أدى إلى إلحاق المزيد من الضرر بالمدنيين
الطلب بتسليم طائرات ميغ – 29 المقاتلة لأوكرانيا كان اختبار عملي لمصداقية حلف شمال الأطلسي الناتو والتزاماته الأمنية والدفاعية تجاه حلفائه لكن عرض بولندا تسليم كييف مقاتلات قوبل برفض الأمريكي المطلق
الناطق باسم وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون جون كيربي إن فكرة وضع مقاتلات تحت تصرف حكومة الولايات المتحدة ونقلها الى قاعدة تابعة لحلف شمال الأطلسي في ألمانيا للتحليق في المجال الجوي المتنازع عليه مع روسيا فوق أوكرانيا يثير مخاوف جدية لكل دول الناتو ولهذه الغاية وصلت نائبة الرئيس الأميركي كاملا هاريس إلى وارسو لطمأنتها في حال تعرضها لأي اعتداء روسي ولمناقشة الخطوات المقبلة في المواجهات واختيار أفضل السبل لتقديم المساعدة الأمنية لأوكرانيا
الولايات المتحدة تخشى أن تكون حرب روسيا على أوكرانيا طويلة الأمد وهي مستعدة لمساعدة كييف على المقاومة غير أنها حريصة في الوقت نفسه على إبقاء النزاع محصورا في هذا البلد وتفادي انتشاره بشكل يتسبب في نشوب حرب كونية ثالثة ولا تريد واشنطن سلوك طريق محفوفا بالمخاطر حيث تركز على توفير المساعدات الكثيفة للمقاومة الأوكرانية وبما يمكنها من الصمود حتى لو بدأت المدن تسقط في أيدي القوات الروسية
حيث تسلم الجيش الأوكراني كمية ضخمة من المساعدات العسكرية الأميركية غير المسبوقة بقيمة 350 مليون دولار تضمنت صواريخ جافلين المضادة للدبابات وصواريخ أرض – جو ستينغر كما تعتزم واشنطن صرف دفعة جديدة ضخمة لا تقل قيمتها عن عشرة مليارات دولار تتضمن شقا اقتصاديا وإنسانيا إضافة إلى المزيد من الأسلحة والذخائر
ما يخشاه الأميركيون أن يعمد بوتين في حال ما اعتبر ذلك خطوة استفزازا إلى توسيع رقعة النزاع إلى خارج أوكرانيا مع مخاطر نشوب مواجهة مباشرة قد تكون نووية مع الولايات المتحدة وحلفائها الأطلسيين ولذلك حرص الاميركيون على احتواء الرئيس الروسي وعدم الدخول في مثل هذا المنزلق بالتركيز على جهود عمليات نشر القوات بصورة احترازية ورادعة في الدول الحليفة على أبواب روسيا
النقاشات حول ارسال المقاتلات البولندية لم تعد مجدية فيما بدا أن التوتر يخف قليلا على الأرض إذ اتفقت روسيا وأوكرانيا على وقف إطلاق النار للسماح بإقامة ممرات إنسانية حول المناطق المتضررة بشدة جراء المعارك في الأيام الأخيرة والتي أجبرت المدنيين على الاحتماء في الأقبية والملاجئ إضافة الى احراز تقدم في المفاوضات بين أوكرانيا وروسيا بعدما أكدت روسيا أن أهدافها لا تشمل احتلال أوكرانيا ولا تدمير دولتها ولا إطاحة الحكومة الحالية ولا استهداف المدنيين مع التمسك بشروطها الكاملة لوقف اطلاق النار وانهاء القتال
روسيا بقيادة بوتين اعتبرت أن هذه المساعدة العسكرية بإيصال الطائرات الروسية الى كييف بمثابة انخراط مباشر لحلف شمال الأطلسي في الحرب مع أوكرانيا
عدة مسؤولين أمريكيين أفادوا بإن النقاش العلني بشأن خطة إرسال مقاتلات إلى أوكرانيا أضعف كثيراً من إمكانية تنفيذها لأن ذلك ببساطة يزيد من قدرة موسكو على تصوير الخطوة على أنها تصعيد مستفز من جانب الناتو ويعرّض بولندا نفسها لخطر التعرض بسبب غضب بوتين وهو ما اغضب واشنطن من إعلان وارسو عرضها إرسال مقاتلات الميغ بتلك الصورة العلنية واعتبرت إن الأمر كله يبدو كمسرحية موجهة إلى الجمهور البولندي الداخلي لإظهار الحكومة هناك على أنها تفعل كل شيء لمساعدة أوكرانيا
التراجع الأمريكي عن توصيل المقاتلات البولندية إلى أوكرانيا أو بمعنى أكثر دقة قبول استقبال تلك الطائرات في القاعدة الأمريكية في ألمانيا سببه المباشر خشية رد الفعل الروسي وهذا ما عبر عنه الأمريكيون أنفسهم بتحذير البلدان التي تفتح قواعدها الجوية لأوكرانيا ناهيك عن إرسال طائرات مقاتلة لشن هجمات على روسيا والتي قد تعتبر طرفاً في الصراع
المخابرات الامريكية أيضا خلصت إلى أن نقل مقاتلات ميغ -29 إلى أوكرانيا قد يُفهم خطأ على أنه تصعيد وقد يؤدي إلى رد فعل روسي كبير ربما يزيد احتمالات التصعيد العسكري مع حلف شمال الأطلسي وأن نقل مقاتلات ميغ-29 إلى أوكرانيا سيكون مخاطرة كبيرة
الهجوم الروسي على أوكرانيا والمستمر منذ ما يزيد على أسبوعين واقتراب موسكو من السيطرة الفعلية على جميع الأراضي الأوكرانية دون أن تؤدي العقوبات الغربية إلى تراجع أو ردع الرئيس الروسي قد أدى كل ذلك إلى أن تعيش دول أوروبا الشرقية في حالة من القلق الشديد واهتزاز الثقة في مدى التزام دول الناتو وبخاصة الولايات المتحدة بالتدخل الفعلي في مواجهة دولة نووية كروسيا
mahdimubarak@gmail.com