مهدي مبارك عبد الله - أعلنت أستراليا مؤخرا تصنيف حركة حماس بجناحيها السياسي والعسكري منظمة إرهابية وهو ما سيضع قيوداً على مصادر تمويل الحركة وتجريم داعمي أنشطتها في إطار اكذوبة الحرب العالمية ضد الإرهاب كما سيفرض التصنيف قيودا جديدة على تمويل حركة حماس وأي نوع من أنواع الدعم لها بفرض عقوبات قد تصل إلى السجن 25 عام
ليست هي المرة الأولى التي تذهب دولة باتجاه تصنيف حركة حماس على قوائم الإرهاب الدولي فقد سبقت أستراليا بريطانيا التي صنفت حماس بشكل كامل كمنظمة إرهابية بعد عشرين عاماً من اقتصار التصنيف على الجناح العسكري فقط وقد شددت وزارة الداخلية البريطانية على حظر كافة أشكال الدعم للحركة فوق اراضيها
بينما خاض الاتحاد الأوروبي سجالاً قضائياً طويلاً انتهى بإعادة حماس إلى قوائم الإرهاب كما أخذت دول أوروبية أخرى إجراءات مماثلة تستهدف ما تسميه جماعات الإسلام السياسي بدءاً من النمسا التي حظرت رسمياً أنشطة تنظيم الإخوان بينما قامت ألمانيا ممثلة في البرلمان الألماني بحظر أعلام وشعارات حماس منعاً لتحفيز الخطاب المتطرف وعليه أصبحت حماس في مرمى رصد الأجهزة الأمنية في أوروبا مما سيضيق الخناق بالكامل على تحركاتها رغم إعلانها فك ارتباطها بالتنظيم الإخوان الدولي
المناخ الدولي والاقليمي لتحجيم أنشطة حماس جاء استجابة غير مبررة لإرضاء دولة الاحتلال الإسرائيلي ودعم المشروع الصهيوني وضمان بقائه واستمراريته حيث بات يعتقد البعض أن عزل المقاومة وأرهبتها من شأنهما تقويض القضية الفلسطينية وبذلك يتمدد وينتصر المشروع الصهيوني إضافة الى الرغبة في كسب ود واشنطن من خلال وقف أي تمويل أو دعم محتمل قد يصل إلى حركة حماس لاستكمال عزلها سياسياً وإعلامياً
السؤال المطروح دائما ماذا حققت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبعض الدول الأخرى من سياسة أرهبة حركة حماس وهي لا زالت تتطور وتقوى اضعاف المرات على المستوى العسكري والأمني وهو ما تجسد في معركة سيف القدس وقدرتها الصاروخية المرعبة وعلى المستوى الشعبي تزايدت حاضنتها بشكل أوسع ولعل انتخابات 2006 التي فازت فيها بشكل ساحق كانت خير مؤشر على صحة ما نقول
في القراءة الدقيقة لتداعيات سياسة ارهبة حماس نجد ان أمريكا والدول التي سارت في ركابها ومنذ أحداث سبتمبر عام 2001 راهنت على استخدام الحصار كورقة لكسر إرادة المقاومة المسلحة من خلال ضرب حاضنتها الشعبية وإضعاف قوتها العسكرية لكنه على ارض الواقع ثبت فشل الحصار وعدم جدوى الأرهبة التي حاولت حرمان دول عديدة من لعب دور بارز في الملف الفلسطيني
وفي الوقت الذي تبحث به بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة مراجعة تلك السياسة الفاشلة وتذهب واشنطن إلى رفع أنصار الله (جماعة الحوثي) والحرس الثوري الإيراني من قوائم الإرهاب وتطالب مراكز البحث الامنية بضرورة مراجعة قانون الإرهاب لعام 1987 تنضم أستراليا إلى بريطانيا وكأنهما تطبقان المثل القائل ( رايح على الحج والناس مروحة )
من يظن أن أرهبة فصائل المقاومة حماس والجهاد الإسلامي وغيرها ستنعكس إيجاباً على إسرائيل وعلى عملية السلام وحالة الامن والاستقرار في المنطقة نقول لهم إنكم أخطأتم التقدير لان ذلك التوجه سوف يدعم ويعزز سيطرة وقوة التيار الراديكالي المتشدد داخل فصائل المقاومة ويضعف أصحاب الفكر البراغماتي الذين يحاولون مسك العصى من الوسط لمنع الانفجار في المنطقة
معلوم ان حركة حماس وضمن وعيها السياسي وفهما العملي لمتطلبات المرحلة عملت على تجويد أدبياتها وخطابها وسلوكها على الأرض وأوقف العمليات الاستشهادية في الداخل المحتل وعدلت ميثاقها كحل مرحلي لا يخالف الإجماع الوطني مع احتفاظها بعدم الاعتراف بإسرائيل حيث كان من المتوقع حينها من العالم الغربي ان يكافئها ويرفعها من قوائم الإرهاب والا تقابل بمزيد من الحصار والأرهبة والتضييق وهو ما سيدفعها حتما في المرحلة المقبلة الى تصعيد القوة والمواجهة والتفكير بتوسيع أشكال المقاومة بما فيها العودة للعمليات الاستشهادية للضغط على الاحتلال والمجتمع الدولي
لا شك أن حماس بذلت جهوداً كبيرة من أجل رفعها من قوائم الإرهاب سواء عبر السبل الدبلوماسية الرسمية والشعبية أو باللجوء إلى المحاكم التي لم تحترمها أوروبا ورغم ذلك فإن حركة حماس تحتاج إلى مزيد من الخطوات تمزج فيها بين إيضاح إجراءاتها وخطواتها للرأي العام الغربي والسعي بكل قوة لدخول منظمة التحرير الفلسطينية عبر قيادة تكتل وطني يطالب بإصلاح المنظمة والذهاب للانتخابات وقيادة عملية تصحيحية تهدف إلى تصويب المسار السياسي الذي نشأ بعد أوسلو وفي حال نجحها قد تحدث تغيير شامل في كل المنطقة
وصف حركة حماس بالمنظمة الإرهابية كان ولا زال قرار صادم للفلسطينيين ولأحرار العالم لما فيه اتهامات باطلة مبنية على فهم غير دقيق لتاريخ الشعب الفلسطيني وواقعه المرير تحت الاحتلال وسعيه المستمر في الدفاع عن حقوقه المشروعة ومبادئه في النضال من أجل تحرير أرضه وان في ذلك انحياز عنصري واضح للاحتلال وارتهان لروايته ومشروعه الاستيطاني والاستعماري غير القانوني في الأراضي المحتلة
بالإضافة الى مشاركته في إرهابه المستمر في الاعتداء غير المبرر على الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لأبشع أشكال الاحتلال والظلم التاريخي كما انه تطبيق عملي لسياسة ازدواجية المعايير في التعامل مع القضية الفلسطينية العادلة والتي تعطي الحق للشعب الفلسطيني في مواصلة المقاومة ضد الاحتلال حتى التحرير والعودة باعتبار ان المقاومة حق مشروع كفلته القوانين الدولية والاحتلال هو الإرهاب
المجتمع العربي والدولي مطالبين اليوم بالعمل على رفع الحصار الظالم المفروض على قطاع غزة والتضامن مع الشعب الفلسطيني وإدانة الاحتلال وجرائمه بحق المقدسات والأسرى ودعم صمود ونضال الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج حتى تحقيق أهدافه الوطنية المشروعة
وفي سياق متصل ادان قبل شهور قليلة 75 برلماني أردني ( مجلس النواب يضم 130عضو ) تصنيف حركة حماس كتنظيم إرهابي وحظرها في المملكة المتحدة واعتبروا ذلك بمثابة مكافأة للاحتلال الصهيوني الذي يقتل الشعب الفلسطيني ويحتل الأرض الفلسطينية ويحاصر أهل غزة ولفتوا إلى أن القرار البريطاني يشكل امتداداً لوعد بلفور المشؤوم الذي بموجبه قامت بريطانيا قبل مائة عام بجلب اليهود من كل أصقاع العالم وتوطينهم في فلسطين
على جميع الدول التي تبنت هذا التصنيف المجحف التراجع عن قرار المخالف للقانون الدولي والشرعية الدولية كما على مجلس الامن الدولي عدم الموافقة على مثل هذه القرارات وإسقاطها لأنها تشكل انحيازا للعدوان والظلم
يذكر أن حركة حماس تعتبر تنظيما إرهابيا في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكندا واليابان وإسرائيل
أخيرا ربما يكون من صالح أمريكا خصوصا والغرب عموما الاستماع إلى فصائل المقاومة الفلسطينية والتعامل معها مباشرة بدل الاستماع عنها من اعدائها وخصومها لان ذلك يشكل أقصر الطرق لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة على قاعدة رد الحقوق لأصحابها وعدم الكيل بمكيالين
mahdimubarak@gmail.com