حين تتكئ على جبل من تفاصيل صغيرة فأنت تتكئ على محمود الشمايلة.. وحين تودِّعُ فأنت تودِّعُ «محمودًا» وحده ويبقى الجبل ضاربًا جذوره بأعماق الأرض ورافعًا رأسه إلى كل غيمة تمطر لترى لحن مائها يدندن لمحمود وبمحمود..
يغادر الفتى الشمايلي وحسبه أنه لوّح للجميع؛ وابتسم ابتسامته الأثيرة وعبّأ روحه من إجاباتٍ قطعيّة وصل إليها وهو يحمل قلمًا للقصّة الأخيرة وريشةً لعوده الذي أعطاه ترتيلًا كركيًا لتستقبله ملائكة الرحمن بموّال من جِنان السماء دشّنه محمود في إحدى لياليه وهو يحاول أن يتجاوز ألمه الأخير حين كان يكابر ويبحث عن طريق واحد يوصله لله.
حين طلبتُ منه أن يرافقني ضيفًا كبيرًا في برنامجي التلفزيوني «تنفيس مع أبو وطن» قبل عدّة أشهر؛ كنتُ أعلم في قرارة نفسي أنه اللقاء الأخير وأنّ ما تبقّى له ما هو إلاّ الوداع وبقايا صور يحاول لملمتها كي لا تتبعثر وراءه.. كانت حلقة دافئة جدًا.. ضحك فيها وغنّى.. قرأ قصصًا وسرد حكايا.. جالد على نفسه بنفسه وتفوّق.. وطلب في آخر اللقاء من الجميع الدعاء له.. لأنه كان يعلم أنه القصّة الوحيدة التي لن يكتبها بل سيتركها لتكتبها عنه الكرك ومحبّوه ومن عايشوه وصنعوا معه خرائط للمشي بين ألغام الشقاء اليومي..!
لله درّك من فتىً فقدناه.. لك الله الآن ولسنا لك.. لك عيناك الناظرتان إلينا من فوق وأنت ترانا نزفر وندمع.. ولك القلب الذي أشقاك بنا ولكنه اتسع لنا كلّنا كلنا..!
سلامٌ على روحك أيها المحمود حيث رحلتَ وارتحلت.. سلامٌ ارتعاشتنا فيك كلّما مرّ ذكرك الذي لا ينمحي.. سلام على نسوان حارتك امرأةً امرأةً اللواتي أعطينك أوشحةً تدبك بها الآن مختالًا فرحًا على باب الجنّة.. فالجنّة إن لم تكن لمثلك فلمن تكون..؟
وداعًا محمود الشمايلة: القاص الذي كتبنا وما كتبناه والأغنية التي غنّاها بلحن الخلود..