ماهر ابو طير - كان لافتا للانتباه كلام القانوني المخضرم د. نوفان العجارمة، عن ديون الافراد ومعالجتها، خلال مكالمة بيننا، فالرجل الذي كان رئيسا لديوان التشريع يحفظ درسه جيداً بين كثرة من القانونيين.
بعد أن سألته عن جدوى سجن المدين، حيث انه لا اماكن لكل المطلوبين، اضافة الى ان السجن يدمر عائلة كاملة، هي عائلة المدين واطفاله، ولا تؤدي ايضا الى سداد الدين، فوق الكلف على الدولة، من حيث الطعام، وتوفير الاماكن، وكلف الحراسة وغير ذلك، أرسل لي تعليقاً سبق ان كتبه في صفحته في فيسبوك، ونشرته المواقع الالكترونية، يقول فيه ..” قانون ذيل قانون الاجراء- التنفيذ- لعام 1926 كان ينص على ان الدائن مجبر على الانفاق على المدين مدة سجنه وان بدل النفقة اليومية هو خمسة قروش يوميا لكل مسجون ولا يسجن المدين الا اذا دفع الدائن الى مدير السجن بدل نفقة المدين لمدة شهر سلفا، واذا لم يتكرر تأدية بدل السجن بعد شهر يترك المدين من السجن ولا يسجن مرة ثانية لأجل المبلغ الذي كان مسجونا لأجله”.
هذا يعني أننا في الأردن، وفي العام 1926 كان المبدأ قيام الدائن بتمويل سجن المدين، لكننا اليوم نبحث عن المطلوبين على قضايا مالية، ونقوم بسجنهم، ويتم تكرار العقوبات، كل فترة، وتتكلف الخزينة أكثر من 700 دينار على الشخص الواحد شهريا، وهذا يفرض بصراحة ليس العودة الى قانون 1926 بل ابتداع حلول جديدة للقضايا المالية، بكل أنواعها، وبين ايدينا دول كثيرة في العالم، غربية وعربية، لا تسجن على خلفية القضايا المالية، وخصوصا، العجز عن السداد بسبب خسارة الوظيفة، او الديون المتراكمة، او بسبب ظلم المصارف والدائنين، الذين يجعلون الدين يتحول من ألف دينار الى آلاف الدنانير بسبب الفوائد الربوية التي دمرت حياة الناس.
هناك تفاصيل فنية كثيرة في هذا الموضوع، يعرفها القانونيون، والمشكلة التي لا ينكرها احد اليوم، هي حقوق الدائن، حتى لاتصبح مظلومية المدين هي الاهم، لأن حقوق الدائن لا يمكن تهوينها، او التجاوز عليها، لكننا بحاجة الى ثلاثة امور، اولها تغيير الاقتصاد لبنيته الداخلية بحيث تتغير آليات الاقراض، والضمانات، وكلفها القانونية في حال عدم السداد، وثانيها ان تتغير السقوف المالية للمحاسبة على التأخر بالسداد ايا كان شكل الضمانات، شيكات او كمبيالات او سندات امانة او عقود ايجار او غير ذلك، حيث لا يعقل ان يسجن المرء على ألف دينار، مثلما يتم سجن المدين الذي عليه عشرون ألفا، او عليه مليون دينار، وثالثها ايجاد حل لقصة الفوائد الربوية التي تضاعف الدين في حال التعثر، وتدمر حياة الناس، ولا يوقفها احد.
نحن هنا لا ندافع عن المدين، خصوصا، ان هناك نوعية محتالة متخصصة بالنصب وسرقة حقوق الناس، بل نتحدث عن نوعيات ثانية تتعثر او تخسر اعمالها، وغير ذلك، وبرغم ان الحكومة تبحث عن حل جذري لهذه القصة وهناك تصورات تم تمرير معلومات عنها، الا ان الحل يجب ان يكون جذريا، وبجرأة، خصوصا، في ظل التأزم الاقتصادي العالمي، والوضع الداخلي في الأردن، واستحالة تطبيق القانون على كل المطلوبين.
لقد كتبت سابقا ان كل المطلوبين لو سلموا انفسهم مرة واحدة، وفي يوم واحد، لتوسلت اليهم الجهات الرسمية ألا يسلموا انفسهم لأنه لا اماكن لهم في السجون، إلا إذا أريد أن نستثمر مئات الملايين في بناء سجون جديدة، وهذا منطق خطير، لأن الاصل تقليل السجون لا زيادتها.
ربما هذه المعالجة غير تفصيلية وعامة من حيث ادراكها للفروقات القانونية في القضايا المالية، وهذا امر متروك للقانونيين، فيما لا بد من تغيير قانون التنفيذ بطريقة منطقية وجذرية، وكل القوانين التي على صلة بالعقوبات على خلفية القضايا المالية التي تتفاقم يوما بعد يوم في الأردن.
اذا كنا في العام 1926 نرفض عقوبة حبس المدين الا اذا دفع الدائن كلفة السجن، فإن علينا في العام 2022 ان نجد حلا جذريا لكل هذا الملف، بشكل منطقي يحمي الدائن، ولا يدمر المدين، خصوصا، ان ازمة ديون الافراد في الاردن لم تترك بيتا الا ولطمته على وجهه وظهره ايضا.
سينفجر هذا اللغم في احضاننا، ما لم نسارع ونجد حلا لهذه الازمات.