مهدي مبارك عبد الله - فيلق حرس الثورة الإيراني باسداران تأسس بعد الثورة الإسلامية الإيرانية وهو أحد فروع القوات المسلحة الإيرانية ويتكون من قرابة 125,000 جندي كما يتحكم الحرس بعشرات الميليشيات التي تجمع تحت ألويتها أكثر من 90,000 فرد عامل ويتركز دوره الاساسي في حماية نظام الجمهورية الإسلامية في الداخل والخارج ومنع الانقلابات ومواجهة التدخل الأجنبي ومراقبة نشاطات الحركات المنحرفة والمتطرفة
وهو ليس مجرد قوة عسكرية بل كيان منخرط في العديد من جوانب الحياة في إيران حيث يدير إمبراطورية أعمال في قطاعات البناء والسياحة والمصارف وغيرها بالإضافة إلى اشرافه المباشر على قوات نخبة مسلحة واستخباراتية تتهمها واشنطن بتنفيذ حملة إرهابية عالمية وقد تجاوزت سلطته السياسية مرات عديدة ولاية الفقيه نفسها
الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أدرج الحرس الثوري الإيراني في القائمة السوداء للمنظمات الإرهابية الاجنبية عام 2019 في أول سابقة تقدم فيها واشنطن رسميا كيانا حكوميا لدولة أخرى كجماعة إرهابية
التصنيف الامريكي لقوات الحرس الثوري كمنظمة إرهابية كان جزء من حملة الضغط الأقصى التي انتهجتها واشنطن ضد إيران بهدف إجبارها على الرضوخ للمطالب الامريكية بشأن خطة العمل الشاملة والمشتركة للاتفاق النووي مع إيران ووضع حد لسلوكها المزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط حسب زعم واشنطن
كل المحاولات والقرارات الامريكية لم تحقق على ارض الواقع أياً من هذه الأهداف رغم ان إيران بات إحدى الدول الأكثر تعرضاً للعقوبات الشديدة على وجه الأرض كما أن الحرس الثوري وفيلق القدس التابع له ما زالا يعملان بقوة وتحدي وخير مثال على ذلك استهداف مبنى السفارة الامريكية ومركز تجسس اسرائيلي في محافظة أربيل شمال العراق قبل أيام قليلة بالصواريخ البالستية الدقيقة كما ان جميع الإجراءات على مر السنوات لم تجبر الجهات الإقليمية والدولية المنخرطة مع الحرس الثوري الإيراني والمعتمدة عليه في ضمان أمنها على قطع علاقاتها معه ولم تفيد في الضغط على ايران للحد من أنشطتها المختلفة
انسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ونائبه بنس من الاتفاق النووي عام 2018 وحملات الضغط القصوى التي شنها على إيران كانت فاشلة لأنها زادت من نشاطها النووي وعدوانها الإقليمي وان هذا التصنيف اثبت انه ليس سوى مجرد خطوة رمزية بحتة تخلو من أي عوائد وتنطوي على العديد من المخاطر بالنسبة إلى المصالح الأميركية وحلفائها في المنطقة
كما ان التصنيف والعزل الأمريكي عزز موقع الحرس الثوري داخل إيران من جهة وفاقم التوترات في الشرق الأوسط من جهة أخرى ناهيك عن اعتبار وضع الحرس الثوري في قوائم الإرهاب فسر بانه تهديد وجودي يفرضه عدو خارجي على طهران حتى أولئك الذين كانوا ينتقدون المتشددين بصرامة بعد التصنيف اصطفوا وراء الحرس الثوري وأصبح أي انتقاد له داخل إيران يعتبر خيانة لها تكاليف سياسية باهظة دفعت في نهاية المطاف الجناح المتشدد إلى قمع المجتمع المدني وناشطي حقوق الإنسان والعاملين من أجل إيران أكثر ديمقراطية
وفي ذات الوقت أضعف القوى المعتدلة التي تريد إقامة علاقات أفضل مع الغرب وقلل من فرص التواصل والدبلوماسية مع طهران وقد أصبحت القضية أكثر تعقيدا بعد انتخاب إبراهيم رئيسي المنتمي إلى غلاة المحافظين رئيسا لإيران والذي تزايد بوجوده النفوذ السياسي للحرس الثوري في هيكل السلطة المعقد في إيران سيما وان حكومته ضمت العشرات من قادة الحرس الثوري المعروفين بالعناد والصلابة
بعد فشل سياسة الضغط الأقصى على إيران خلال فترة حكم ترامب وبعدما أوشك البلدين على استعادة الاتفاق النووي لعام 2015 وفي خطوة مفاجئة تشير في مضمونها الى صفقة جديدة تعقد بينها لاحت في الافق معلومات وتصريحات أولية بأن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تدرس رفع الحرس الثوري الإيراني من القائمة السوداء للمنظمات الإرهابية مقابل التزام علني من إيران بخفض التصعيد في المنطقة مع احتفاظ واشنطن بحق إعادة تسميته مرة أخرى إذا لم تلتزم إيران بتعهدها بالكامل
حتى الان واشنطن لم تطلب التزامات محددة من إيران بعدم استهدافها وحلفائها في المنطقة بما في ذلك إسرائيل وقد أطلعت تل أبيب التي تشعر بالقلق البالغ إزاء الفكرة على أنه يجري النظر في مختلف الاحتمالات ومن المتوقع ان يخلق هذا القرار ضجة كبيرة في صفوف الجمهوريين والعديد من الديمقراطيين في مجلس الشيوخ وربما يتم رفضه
إلغاء هذا التصنيف كان من أكثر القضايا الحاحا وتعقيدا في المحادثات غير المباشرة بشأن إحياء الاتفاق النووي القديم الذي قيدت إيران بموجبه برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات الاقتصادية وجعلت هذا الشرطً ( شطب الحرس الثوري من قائمة الإرهاب ) ضرورة قصوى للتوصل إلى اتفاق نووي جديد وهو ما اضطرت الحكومة الامريكية الی القبول به والتي كانت تدعي سابقا أنها لا تستطيع رفع الحرس الثوري من قوائم الإرهاب الاجنبية دون تقديم تنازلات كبيرة من طرف إيران من ضمنها إدراج بند واضح حول الأمن الإقليمي والمحادثات الصاروخية وهو ما قابله كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين علي باقري كأني بالرفض التام كما كان سبب مباشر في تعطيل سير المفاوضات اكثر من مرة
واشنطن لم تقرر بعد فيما يمكن أن يكون ذلك التزاما مقبولا من إيران مقابل القيام بهذه الخطوة التي من شأنها أن تلغي إدراج الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الحرس الثوري على القائمة السوداء وانهاء بعض العقوبات التي أدت إلى وقف جميع التعاملات التجارية والاستثمارات الأجنبية في إيران
بعض المراقبون شعروا بالإحباط والخيبة وحذروا من تخبط وعشوائية القرارات الأميركية التي باتت تعاني الضعف والخوف خاصة بعدما تسترت إدارة بايدن على مخطط الحرس الثوري لاغتيال المستشار الأسبق للأمن القومي الأمريكي جون بولتون والتخطيط لاستهداف وزير الخارجية مايك بومبيو وها هي تدرس الآن إزالته من قائمة المنظمات الإرهابية إضافة الى حذف شخصيات وكيانات إيرانية من قائمة العقوبات في إطار المفاوضات حول إنجاز الاتفاق النووي وهو بحسب رائيهم سيقود إلى توسيع الهوة بين إدارة بايدن ودول الخليج التي تشعر بالقلق الأمني من المضي في اتفاق نووي لا يراعي ضبط الدور الإقليمي لإيران باتفاقيات واضحة سواء ضمن الاتفاق أو من خلال ملحق خاص به
المخاوف والمخاطر من هذه الخطوة تكمن في الخوف من إطلاق يد إيران لتعزيز وتقوية نفوذها وهيمنتها في المنطقة ودعمها نشاطات المنظمات العسكرية الموالية لها التي يشرف عليها الحرس الثوري ومنحه حرية الحركة في تدريبها وتسليحها وتمويلها في العراق وسوريا ولبنان واليمن لتنفيذ عمليات تطال بعض الدول المجاورة والوجود الأميركي كما حصل في هجمات أربيل الاخيرة وهو ما يعني أن واشنطن لن تكون بمنأى عن الاستهداف وربما يشمل الأمر مواقع جديدة اخرى خاصة في منطقة البحر الأحمر انطلاقا من المضايق التي يسيطر عليها الحوثيون
لعل طرح بعض الأسئلة بهذا الخصوص يفيد في فهم الموقف بين الطرفين منها هل وقع الرئيس بايدن فعلا تحت تأثير ضغوط إيران وشروطها التي لا تتوقف حيث تريد مقايضة الاتفاق بالحفاظ على دورها الأمني الإقليمي ولهذا تضغط من أجل رفع اسم الحرس الثوري من قائمة العقوبات الأميركية وهل إدارة الرئيس بايدن تضع نفسها في تناقض صارخ وهي تعلم ان الحرس الثوري الذي صنفته ضمن قائمتها السوداء مازال يدرب الميليشيات المتشددة وينفذ الهجمات التي تهدد المصالح الأميركية وتزيد من المخاطر على حرية الملاحة وتصدير النفط من الخليج
وأخيرا كيف سيصبح الحال إذا رفع الحرس الثوري من قائمة الارهاب وأطلقت يده واستشرى نفوذه ولاهم في النتائج من يضمن التعهدات الإيرانية المطلوبة بكبح جماح الحرس الثوري وترويض سلوكه وهل ستعني شيئا على أرض الواقع في بلد يبني سياسته على التدخلات الخارجية ويعتقد أن الفوضى الأمنية ضرورة ملحة وبيئة مناسبة لابد من استغلالها لتصدير ثورته الى بعض الدول المجاورة من أجل قيام ثورات مشابهة للثورة الإسلامية التي قامت في ايران عام 1979 واسقطت حكم الشاه الإيراني السابق محمد رضا بهلوي
mahdimubarak@gmail.com