الدكتور أحمد الحسبان - لا أدري كيف يستطيع المرءُ المسلمُ أن يخدع الله تعالى، الذي يعلم السرَّ وأخفى، والنفسَ وما توسوسُ به، و كلَّ حركاتها والسكنات، فهو قد يستطيع أن يكذبَ على نفسه ويصدقها مرةً او مرتين، وان يخدع الناسَ مراتٍ ومرات، ولكن هيهاتَ هيهات أن يجرؤ مسلمٌ على خداع الله، والله تعالى خادعه، عن التجار (الاتقياء ظاهراً) المحتكرين الجشعين أتحدث، يخرجون الزكاة بوقتها، وهذا جميل جداً، فهو ركن من الاركان الخمس لاكمال اسلامهم لا يشكرون عليه، وهو فرضٌ في اموالهم للسائل والمحروم والمستحقين لها، تماماً كفرض الصلاة والصيام، لكنهم يخادعون الله بإخراجها، فكيف يكون ذلك؟
غالباً ما يعمدُ الكثيرُ من التجار لإخراج زكاة اموالهم وتجارتهم في شهر الخير - رمضان من كل عام هجري، اذ أنها - كما هو معروف - تجب في النصاب من المال اذا بلغ ٨٥ غراما من الذهب وحال عليه الحول الهجري (وليس الميلادي)، اي ما يعادل ٣٠٠٠ دينار تقريبا، وحسب سعر الذهب الدارج حالياً، و النصاب في باقي ضروب التجارة معروف، ومنه ما يخرج زكاته وقت حصاده، وكل هذا طبيعي ومعروف ومحسوب بدقة، لكن من غير المألوف؛ هو من يعمدُ لرفع الاسعارِ في شهر رمضان وما قبله، ليعوض ما يدفعه للزكاة، ويحافظ على رأس ماله كما هو بلا نقصان، ظاناً ان الزكاة تنقصه، وبالأصل هي تطهره وتزيده - شرعاً، فما نقصَ مال من صدقة، ويظن نفسه، بحبه الازلي للمال، ان يخدع الله بذلك، فيمسي كأصحاب السبت، حيث يسبتون.
فمن ناحيةٍ؛ اذا كان الايمان باليوم الاخر ركن إيمان، فالزكاة ركن اسلام، اي انه واجب وفرض، كباقي الاركان الخمس، قبولها أو رفضها يترتب عليه حساب بالآخرة بجنةٍ أو نار، وطهارة بالأولى وبركة وسعادة، يقبل ويرفع اذا خلص لله تعالى وطاب وحَسُن فقط، ويرفض اذا شابه الغش والخبث الذي يتيممونه لينفقون، فما فائدة ذلك إن لم يكن كله خالصاً لله تعالى، وما قتلَ قابيلُ هابيلَ الا بقبولٍ حظي به دون أخيه، حباً للمال وحسدا للاخ، وكانت أولُ خطيئةِ قتلٍ على وجه الارض، فكيف يقبل خداع الزكاة الغبي هذا - على الاقل بين البشر.
ومن ناحية أخرى، قد يستفيد الفقراء من تلكم الزكاة مؤقتاً رغم خداع اخراجها، ولكنهم سيدفعونها - وأضعافها - فرق أسعارٍ للطعام والشراب ولذات مخرجها الجشع وأمثاله، وكأنه لم يخرجها الا نفاقا وشهرة وحباً للمدح والثناء، وكأنها لم تصلهم أصلاً، ولم تحقق هدف مشروعيتها كحق لهم، وليس ضريبة عليهم، وهذا هو الخداع الذي لا يقبله انسان، فما بال مخرجها المخادع برب العباد، اذ يعلم ماهيتها كيف خرجت وكيف صرفت، وماهية مخرجها المخادع، ومستقبلها المخدوع.
مقصد القول؛ الخداع سمةٌ متفشية بجميع مجتمعات العالم، وهي ضرب من ضروب الفساد المنتشر في البر والبحر، وقد تعوّد عليه البشر فيما بينهم، لكنه مع رب العالمين نوعٌ من أنواع النفاق الغبي، لا جزاء له الا الدرك الاسفل من النار.
خلاصةُ القول؛ من يريد أدنى كمال اسلامه - ما أمكن - لدنياه وآخرته، فليتقن أعماله ونياتها، ولا يخدعنّ نفسَه وربّه بأعمالٍ تذهب كزبد البحر، وليعلمنْ أن قناع الخداع والنفاق سرعان ما يسقط أمام أول هبة ريح صادقة صدوقة، فتكشف زيف القناع، والنفاق الذي يخفيه، ولو بعد عدة اطلالات تبدو بهية.
الدكتور أحمد الحسبان. بودابست، هنغاريا.