سلامة الدرعاوي - كلام مهم ما تحدث به أعضاء اللجنة الحكوميّة المكلفة بإصلاح القطاع العام، حيث قطعت شوطا لوضع خطة عابرة للحكومات تكون خريطة طريق للسلطة التنفيذيّة لإعادة فاعلية الإدارة العامة في الأردن والتي شهدت في السنوات الأخيرة اخفاقات على أكثر من مستوى.
اللجنة ستنهي أعمالها في شهر حزيران، وسيباشر التعامل مع توصيات اللجنة فور إقرارها على أكثر من محور، أهمها: الإصلاح التشريعي والبناء المؤسسي وتأهيل ورفع القدرات البشرية.
لا نملك سوى ان نتفاءل، فإصلاح القطاع العام هو جزء أساسي لا يمكن لأي عملية إصلاحية او تطويرية ان تتم بمعزل عنه، وهذا ما يدعونا للاصرار على التفاؤل، وإلا فإن التراكمات السلبية والتجارب السابقة في مسألة الإصلاح الإداري كفيلة بوأد أي مشروع إصلاحي، بل انه يعزز فجوة عدم الثقة بين الشّارع والحكومة، نتيجة للانتكاسات الخطيرة التي حدثت على مدى السنوات الماضية بعد إطلاق كل مشروع إصلاحي، جاء بنتائج عكسية لما تم إعلانه أصلا، وهو ما تسبب بكوارث ماليّة وإدارية مازال المواطن يدفع ثمنها لغاية يومنا هذا.
وأقولها بصراحة، جميع البرامج الإصلاحية الخاصة بالقطاع العام كانت على دراية واسعة بمشاكل الإدارة العامة، فالتشخيص واضح عند الجميع، لكن المشكلة كانت بالتطبيق وتنفيذ مخرجات وتوصيات تلك البرامج، والتي للأسف كانت كارثية بكل ما في الكلمة من معنى، لا بل ان بعضها يشكّل أكبر قصة فساد إداري في تاريخ الدولة الأردنيّة منذ تاسيس الإمارة، كما هو الحال في خطة إعادة هيكلة القطاع العام التي كلفت خزينة الدولة لغاية اليوم أكثر من نصف مليار دينار.
تشخيص الخلل في الإدارة العامة يتمثل في عدة أوجه، لعل أبرزها: غياب العدالة ومظاهر سيادة القانون والتي للاسف تواطأت حكومات متعددة مع قوى مختلفة في المجتمع، مما سمح بتسلل آلاف التعيينات لجهاز الدولة من غير الحاجة ولا هم أصلا من أصحاب الكفاءة، غالبيتهم تم تعيينهم بالواسطة والمحسوبية، وهؤلاء اليوم هم من يمسكون بزمام مفاصل القطاع العام.
إصلاح الإدارة وتطويرها يتطلب العودة للعمل بمنهج تدريب وتأهيل العاملين في الدولة على كيفية التعامل مع القوانين والأنظمة المختلفة، فغالبية القوانين اليوم لا يجد من يفهم تطبيقها وتنفيذها بالشكل الصحيح، وهذا ما قد يفسر كثرة التعديلات على القوانين، علما ان المشكلة هي بالفهم والتطبيق الحقيقي لتلك التشريعيات.
لا يمكن ان يكون هنا تطوير الإدارة طالما بقي العمل بخطة إعادة الهيكلة التي حرمت الدولة ومؤسساتها من الاستعانة بالخبراء والكفاءات تحت حجج الرواتب العالية، فالأحق ان يتم تجميد العمل بهذه الخطة المدمرة للإدارة العامة والتي أخرجت الكفاءات الإدارية من الدولة، ووضعت شروطا تعجيزية للاستعانة بأصحاب الخبرات.
الأصل في إدارة العمل العام ان يكون مماثلا لما هو عليه في القطاع الخاص، فلا حصانة لأحد، والتقييم هو أساس في المكافأة والمحاسبة، ولا بد ان يكون هناك تمايز في رواتب العاملين في نفس الدائرة والقسم، فالتساوي في الرواتب والترقيات شكل من أشكال الترهل والتخلف الإداري، ومعاقبة مباشرة للموظف المجتهد.
عمل لجنة تطوير القطاع العام ومخرجاتها ستكون هذه المرة على المحك الحقيقي لاختبار إرادة الدولة في تنفيذ توصياتها الإصلاحية، وإلا فإن المشكلة ستزداد وفجوة الثقة ستكون هذه المرة أكبر بكثير مما هي عليه الآن.