خاص - الإعلامي الأستاذ عيسى محارب العجارمه ابو المنتصر - مقال قديم منذ زمن حكومة هاني الملقي كنت قد كتبته بفقيد الثقافة الأردنية والمثقفين المرحوم حسن أبو علي تغمده الله بواسع رحمته حيث قلت فيه قبل أن يتملكني رعب طيور الظلام تلك التي احسن إخراجها الفريد هيتشكوك بفلم الطيور حيث اقول بكلام قديم اعيده طلبا للفائدة.
ولأن عمان اليوم هي عاصمة الثقافة العربية كبيروت السبعينات والثمانينات وهي اليوم قلعة العروبة والمقاومة والممانعة الفكرية لكل مشاريع استلاب المشروع النهضوي القومي فإنني اليوم قد طرقت باب صفوف المعارضة ادبيا وفكريا فعمان تستحق منا ادبا مقاوما ينحاز للمهمشين والفقراء والبسطاء والضعفاء ومتى كنا من غيرهم لننحاز لمن قتلهم فكريا وروحيا واقتصاديا تمهيدا للنكسة الكبرى وضياع ما تبقى من مقدسات للابد وخاب فألهم فعلى هذه الارض ما يستحق الحياة يا محمود درويش يا شاعر الامة الاوحد .
أعترف لكم أعزاءي القراء الكرام بأن سبب انقطاعي عن الكتابة الاسبوعية بالمواقع الاخبارية الاردنية الالكترونية يكون مرده في كثير من الاحيان لانشغالي بالبحث عن عنوان مناسب للمقال الخداج بمخيلي ، فالعنوان المناسب بالوقت المناسب هو السر بنجاح المقال حتى لا يقال من أعجابكم وتشجيعكم وثنائكم الذي هو الجائزة والمغلف المأمول لما اكتب واقول وانشر .
وكشك ابو علي له قصة معي تطول فصولها ، فلطالما تمتعت بالقراءة المجانية بفنائه ، كوني نهم بالمطالعة ، واجيد تصفح مجلة روز اليوسف المصرية ، من الجلدة للجلدة باقل من عشرة دقائق ، وبالمقابل فان الثمن هو هذا المقال المتأخر، ثمنا للجريمة الفكرية راجيا مسامحتي من مالكه صديقي حسن ابو علي، فثمنها ثلاثة دنانير وانا مو الملقي لاشتريها بهذا الثمن، الذي يغطي نفقات يومي ، من فطور حمص وفلافل بمطعم هاشم ، وكنافة بنص نيرة من حبيبة قبل رفعها لستون قرش ، وربع نيرة جريدة يومية ، ومواصلات من القرية ام البساتين للعاصمة عمان نص نيرة ، واذا فقعت معي باخذها قصدرة من عند ابو علي لرغدان المحطة قصدرة اذا خلصت القريشات القليلة ، ويأتي من يقول لك ليش احنا شعب لا يقرأ قولهم يا حسن ابو علي .
فزعت اليوم من نومي على حلم مزعج ،حيث شاهدت نفسي بوسط البلد بعمان بمنطقة طالما عشقتها فكريا واجتماعيا حيث كشك ابو علي وكنافة حبيبة الشهيرة ومطعم هاشم الشعبي للفول والحمص ، حيث رأيت – اللهم اجعله خيرا - امام البنك العربي وبالجزيرة الوسطية جمعا من المواطنين تستوقفهم دورية أمنية باللباس المدني ، وتطلب منهم هوياتهم للتدقيق عليها أمنيا ، ولأني أعرف حجم مديونيتي الشخصية التي يسهل سداد الدين العام للمملكة ولا تسهل معضلتي الاقتصادية الخانقة حالي حال معظم الشعب الاردني العظيم ، فقررت السير يسارا صوب كشك ابو علي ، فنهرنا صوت الشرطي بصوت رهيب قائلا :- لاحدا يغادر يسارا من الزواريب والدخلات الكل لعندي هون .
يا الله كم كان الصوت مرتفعا بالحلم وسرت لكابوسي قشعريرة ايام الاحكام العرفية قبل هبة نيسان المجيدة عام 1989 ، وسرت طوعا لطابور المواطنين المحتجزين قسرا بالعشرات امام شرطيين اثنين لا اكثر ليخبرني احدهم ولربما كان مثلي من ارباب السوابق اذا عليك أشي أملط من هناك ما دامهم مشغولين بغيرك وفعلا ملطت باتجاه ساحة المسجد الحسيني الكبير .
لأنهض بالتاسعة صباحا على صوت ولدي وهو يحمل النقال بان اخابر زميلي بالعمل وطبعا اليوم الاربعاء هو عطلة رسمية على اجندة حكومة الملقي ليقول لي بأننا اليوم مداومين بالكسارة شو شكلك نايم فما عرفت بما اجيبه فقد كانت فرحة الهروب من الشرطة غامرة ليبدد خجلي من رفض الدوام وقال لي شكلك نايم بس تصحى خابرني .
فهرعت لدورة المياه لتفريغ امعائي والوضوء وقضاء الفجر الفائت وسنة الضحى وفتحت اللابتوب لادبج هذه المقالة على مضض وزعل وانفجار يوازي كتاب الانفجار لمحمد حسنين هيكل عن حرب الثلاثين سنة التي سبقت نكسة 1967 وضياع القدس والذي طالما تشاغلت بتصفحه بكشك صديقي ابو علي واقرأ منه لربما نصف ساعه ، لأن ثمنه غير متوفر بجيبتي وحينما اشعر بتثاقل صديقي اقوم بشراء جريدة الراي او الغد او الدستور او العرب اليوم الورقية بربع دينار واغادر صوب كنافة حبيبة لازدرد وقية مغطسة بالقطر .
عذرا صديقي بالكسارة فلن ادوام قبل يوم السبت القادم لانني كائن كسول وراتبك قليل وعذرا صديقي الشرطي فلست انا من باع القدس روح دق على هوية الفاعل وبعدين راجعني طبعا هذا بالحلم فالدوام سيكون اليوم قسرا وبالنسبة لدق الهوية الجويدة حلمنا الجميل .
ففي السنوات العشرة الاخيرة خاطبت الاردنيين حكومة ومعارضة بما يزيد على أنتاج عدة دور نشر مجتمعه ، ولربما بحت حنجرتي وشلت يدي من تحبير وتسطير تنظير عشرات بل مئات المقالات الكاشفة الموضحة لمواطن الخلل السياسي والاجتماعي والديني والدعوي والتوعوي بمملكتنا الناهضة وما كان حضي منها الا اختلافا كاختلاف بني قومي بالسقيفة .
لمن لا يعرف كشك ابو علي يقع بقلب العاصمة الاردنية عمان ، ولا يزيد عليه بالقداسة الا صحن المسجد الحسيني الكبير وهو شعلة المقاومة العربية المعاصرة ، بامتياز لأن عمان أخذت مكان بيروت التقدمية بالسبعينات والثمانينات بالقرن المنصرم ، وكشك ابو علي لصاحبه الوراق حسن ابو علي أطال الله بعمره هو قبلة الادباء والمثقفين والسياسيين والزائرين لعمان ، لما يحتوية من كل جديد ومفيد من صحف ومجلات وكتب تبوح بها قريحة الادباء والكتاب والمفكرين والفلاسفة ورجال الاصلاح والدعوة والرشاد من المفكرين العرب على اختلاف مشاربهم الفكرية والثقافية والسياسية .
هذه دعوة للحج الثقافي والفكري لهذه التكية الادبية للمحسن الثقافي الكبير صديق الادباء والمفكرين وهو من قام بفتح دفتر الذمم والديون لكثير منهم في سابقة ثقافية اقتصادية لا اظن بانها مسبوقة بتاريخ الوراقين العرب اطال الله عمر عميدهم وشيخهم حسن ابو علي فقد علمني معنى الصمود والمقاومة والممانعة ببواكير شبابي وهذا اوان الحصاد وانها لبداية القضاء على اوكار الفساد .
كم كان يسألني عن عبارتي الذي تضحكه عن الفاسدين واللصوص بوطني فأقول باللهجة العراقية يروح نعال يجي قندره.
رحمك الله صديقي العزيز ابو على واسكنك فسيح جناته.
ملاحظه حينما تم نشر هذا المقال القديم بأحد المواقع الإلكترونية كان عدد المشاهدات كالتالي، المشاهدات : 25517
واتساب 962785294904
Issamha71@gmail.com