زاد الاردن الاخباري -
فتح الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، الباب أمام "حيادية أوكرانيا"، مشيرا، الاثنين، إلى هذا الخيار خلال المفاوضات التي ستعقد في تركيا مع الوفد الروسي بحثا عن تهدئة للحرب التي شنتها موسكو على بلاده قبل أكثر من شهر.
وذكرت وكالة بلومبيرغ أن المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، اقترح أن تعلن أوكرانيا حياديتها، كما فعلت النمسا والسويد، كحل للنزاع، وفقا لما ذكرته وكالة بلومبيرغ.
ولن تكون أوكرانيا الأولى في اعتناق الشكل الحيادي، وقد تنضم إلى دول أوروبية أخرى في هذا الإطار، مثل سويسرا والنمسا وفنلندا والسويد وإيرلندا ومالطا.
لكن من أين أتى مفهوم "الحيادية"؟ وكيف سيكون شكل "أوكرانيا المحايدة"؟ إن تم الاتفاق على هذا الخيار بين الطرفين؟
تاريخ "الحيادية"
طرح مفهوم الحيادية الدولية بشكل قانوني في إعلان باريس، عام 1856 (الحياد في الحرب البرية) واتفاقتي لاهاي الخامسة والثالثة عشر، الموقعتين عام 1907 (الحياد في الحرب البحرية).
كانت إحدى التوصيات الأولى لاتفاقية لاهاي الثالثة عشر أنه عندما تندلع حرب بين قوى معينة، يجب على كل دولة ترغب في البقاء محايدة أن تصدر إعلانا خاصا أو عاما بالحياد.
لكن ذلك غير مشروط بالقانون الدولي. ويجوز لدولة محايدة، أثناء سير الأعمال العدائية، أن تلغي أو تغير أو تعدل موقفها من الحياد، شريطة أن يتم تطبيق هذه التعديلات من دون تحيز لجميع المتحاربين.
يتجسد مفهوم حيادية دولة ما، وفقا لقاموس "بريتانيكا"، بوضعها القانوني والرسمي في الامتناع عن أي مشاركة حربية مع دول أخرى مع الإبقاء على موقف موضوعي تجاه المتحاربين، واعتراف المتحاربين بهذا الامتناع والموضوعية، ووفقا للقانون الدولي يمنح هذا الوضع القانوني تشديدا على بعض الحقوق والواجبات بين الدول المحايدة والأطراف المتنازعة.
وبعد الحرب العالمية الثانية احتلت الدول المتحالفة (فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي) النمسا بعد هزيمة ألمانيا، ومقابل إنهاء ذلك الوضع أعلنت النمسا حيادها، وبعد يوم من انتهاء مهلة خروج القوات الأجنبية من أراضيها في 26 أكتوبر عام 1955، تبنّت الدولة وضع الحياد الدائم في دستورها.
وهذا يعني أن النمسا لن تشارك مطلقا في التحالفات العسكرية أو تسمح بإنشاء قواعد أجنبية على أراضيها.
وتملك الدول المحايدة قوات عسكرية لأن لديها الحق في الدفاع عن نفسها في حال خرقت أي دولة حياديتها، فسويسرا والسويد تبنتا شكلا من الحيادية لقرون، ودول أخرى تبنت الحيادية بسبب الضغوط الخارجية المفروضة عليها.
فنلندا مثلا، التي تشارك روسيا بأكثر من 800 ميل من حدودها، تغلبت على الغزو الروسي في عام 1939، لتجنب حصول ذلك مجددا وقعت معاهدة صداقة مع موسكو عام 1948، واحتفظت بعدم انحيازها طوال الحرب الباردة، وفقا لما نقله موقع "فوكس".
ماذا تعني "الحيادية"؟
يذكر أن الحياد لا يعني الحياد الأيديولوجي، فوفقا لموقع تابع لـ "الصليب الأحمر"، لا تمنع الدولة المحايدة من إظهار نوايا غير متحيزة تجاه دولة أخرى، أو تفرض عليها واجب تقييد التعبير عن مثل هذه الآراء من قبل مواطنيها أو وسائل الإعلام.
لكن لا يجوز لدولة محايدة أن تشارك علنا في الأعمال العدائية، كأن تقدم المساعدة للأطراف المتحاربة أو تجند القوات لصالح المتحاربين أو السماح لأطراف ثالثة بالقيام بذلك على أراضيها، كما يحظر عليها توريد معدات عسكرية بأي ذريعة كانت أو توفير الاستخبارات العسكرية.
في المقابل، تحتفظ الدولة المحايدة بالحق في التجارة مع جميع الدول المتحاربة، كما أنها ليست ملزمة بمنع مواطنيها من الخدمة مع أي من المتحاربين أو تصدير أو نقل معدات عسكرية من قبل جهات خاصة أو منع الأطراف المتحاربة من استخدام وسائل الاتصال المحلية سواء كانت ذات ملكية عامة أو خاصة.
ومع ذلك، إذا كانت تفرض بالفعل محظورات أو قيودا من هذا النوع، فيجب أن تطبقها على جميع الأطراف المتحاربة، وبشكل متساو.
أما إذا دخلت قوات دولة محاربة إقليما محايدا، فيجب نزع سلاحها واحتجازها وإخضاعها للقانون المحلي للدولة المحايدة. يجب ترك أسرى الحرب الذين يدخلون الأراضي المحايدة طلقاء ولكن يجوز وضعهم في أماكن إقامة مخصصة.
ويشير "الصليب الأحمر" إلى أنه يجوز لدولة محايدة، بشروط معينة، أن تسمح للجرحى والمرضى والعاملين الطبيين المنتمين إلى القوات المتحاربة بالعبور في أراضيها، ويمكن أن تستوعبهم شريطة أن تحترم مبدأ الحياد.
ومع ذلك، يجب أن تتخذ إجراءات لضمان عدم مشاركتهم مرة أخرى في العمليات العسكرية.
لكن هذا لا يعني أن العوامل الخارجية لا يمكنها تغيير موقف عدم الانحياز لبلد ما، أو أن الحياد نفسه لا يمكن أن يكون مرنا بعض الشيء، وفقا لموقع "فوكس"، الذي أشار إلى أن الدعم الشعبي للانضمام إلى حلف الناتو تصاعد في السويد وفنلندا في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، ولكن ليس بهوامش ساحقة. وأنه رغم أنهما لا تزالان غير متحيزتين رسميا، إلا أنهما تتعاونان عن كثب مع الناتو بالفعل.
ومع ذلك، يضيف الموقع أن الحيادية تعد أداة جيوسياسية قيّمة يمكن لدولة عدم الانحياز استخدامها لتعزيز مصالحها الخاصة، "وهذا يفسر سبب طرح الأسئلة الأمنية الأوروبية في هلسنكي خلال الحرب الباردة، واستضافة فيينا مفاوضات صفقة إيران اليوم".
التعقيد في "حيادية أوكرانيا"
ويشير موقع "فوكس" إلى أن احتمال إقرار كافة الأطراف (أوكرانيا وروسيا ودول الغرب) على تبنّي كييف موقف الحيادية، وأن أطراف المواجهة سترى في الحفاظ على هذا الموقف الأفضل لمصلحتها، وقد يمكن بذلك لروسيا أن تحترم سيادة الأراضي الأوكرانية، لكن ذلك سيعني إغلاق الباب أمام انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو".
ويقول الموقع إن حياد أوكرانيا قد يعتبر "الأداة السياسية المثالية: جمهورية سوفيتية سابقة يمكن أن تصبح حاجزا بين روسيا وبقية أوروبا"، لكنه نقل عن محللين التعقيد الذي يشوب التحول في الموقف الأوكراني في ظل الحرب الدائرة.
وكانت أوكرانيا قد تبنت الحيادية في عهد الاتحاد السوفيتي السابق، لكن كل مرة خرجت فيها عن موقفها كان بسبب ردة فعل تجاه استفزاز روسي، وفقا لـ "فوكس".
ويقول مارك كريمر، مدير مشروع دراسات الحرب الباردة في مركز ديفيس للدراسات الروسية والأوراسية في جامعة هارفرد، لموقع "فوكس": "كانت هناك على الأقل 12 اتفاقية وقعتها روسيا مع أوكرانيا، والتي ألزمت روسيا لاحترام حدود أوكرانيا المتفق عليها في ديسمبر عام 1991، لكن، الحكومة الروسية لم تبد أي أهمية للالتزام بتلك التعهدات".
ومع موقف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، المتشدد في تعبيره عن أهمية القضاء على النظام الحاكم "النازي"، يستبعد الخبير الاقتصادي الجغرافي في جامعة أكسفورد، فلاد ميكينشكو، في مقال أن تكون "حيادية" أوكرانيا كافية، مشيرا إلى أنه لو كانت هناك اتفاقية وقعت بالفعل، فإنه لا شيء يمنع روسيا من خرقها.
وأضاف متسائلا: "ما الذي سيحصل حينها؟ إن قال (بوتين): نحن بصراحة لا نحبها، سنقتحمها، هناك أمر غير محبذ في أوكرانيا، وعلينا أن نزيله".
ويقترح محللون لـ "فوكس" أن تتدخل دول أخرى للإبقاء على حيادية أوكرانيا، مشيرين إلى أن الدول المرشحة لن تقتصر بالضرورة على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأعضاء "الناتو"، بل أيضا "ستحتاج لعوامل ودول إضافية"، نثل الصين، التي قد تساهم "في تحلية مذاق الاتفاق لروسيا".