قبل وما بعد الاتفاق النووي الايراني يمكن تحقيب تاريخ الاقليم.
ايران تعلب دورا رئيسيا في الاقليم، وتوصل مباحثات فيينا الى اتفاق نووي يعني سياسيا واستراتجيا الكثير والكثير.
ايران ما بعد الاتفاق النووي ستمتلك اوراق قوية في موازين الشرق الاوسط وقواعد اللعبة، وسيعاد تعريفها استراتجيا ودور مصالحها ونفوذها في نظام عالمي يبدو انه قيد الولادة، وذلك على اثر ارهاصات وتداعيات ازمة اوكرانيا.
كل دول الاقليم دون استثناء فتحت دفتر الحسابات، واشبه ما يكون الاقليم يمر في حالة هلع دبلوماسي وسياسي، وكل دولة تحسب وتتوقع النتائج وغيرها، وما بعد الاعلان عن الاتفاق النووي الايراني.
زيارة الرئيس بشار الاسد للامارات حملت مؤشرات استباقية الى قرب عودة سورية الى جامعة الدول العربية، وانهاء القطيعة السورية مع دول كثيرة .. وكما ان الزيارة قد يليها انفتاح سوري متوقع على دول عربية كثيرة كانت تقف في صف معارض ومناوئ للنظام السوري.
وفي ضوء الحراك الدبلوماسي الساخن في الاقليم كل التوقعات محتملة، ومستبعد ان تتوقف عجلة العودة السورية في ابو ظبي .
و في عودة سورية، والتقارب العربي الجديد مع سورية رسائل الى حلفاء سورية الرئيسيين روسيا وايران.
وزير الخارجية المصري سامح شكري بعد المشاركة المصرية في «قمة النقب» التي ضمت وزراء خارجية اسرائيل وامريكا والامارات والبحرين ومصر والمغرب اكد ان اللقاء لم ينعقد لبناء تحالف ضد طرف ما.
و الرسالة المصرية كم يبدو انها واضحة في عدم استهداف ايران عسكريا وامنيا، وكما ان تصريح الوزير قلل من اهمية وحجم اللقاء، وما اثير في الاعلام على انه سيمهد لولادة ناتو سني في الشرق الاوسط.
و في» لقاء النقب» اسرائيل كانت معنية في توجيه رسائل للعالم بانها تملك حلفاء في الاقليم والترويج للسلام الجديد .. وفي العقل الباطن للقادة الاسرائيلية يحيون من وحي اللقاء عقائد واساطير توراتية حول صحراء النقب، حلم اسرائيل الكبرى، ويهودية الدولة وتهجير بدو النقب « السكان الاصليين «، والوقوف على قبر بن غوررين، ومقولته الشهيرة ان لم نصمد في الصحراء فسوف تسقط تل ابيب.
كنت اتوقع ان اسمع كلاما منبثقا عن اللقاء يتحدث عن ازمة الطاقة وازمة الامن الغذائي، والامن الاقليمي والمستجد من تطورات ازمة اوكرانيا وتداعيها على الشرق الاوسط .. ولكن اسرائيل حقيقة لا تملك ان تقول شئيا في الملفات المذكورة.
و اقصى ما تسعى اليه اسرائيل الغارقة في وحل الاساطير ومستنقع الاوهام التوراتية الامن والقضية الفلسطينية. طبعا، اسرائيل قلقة من عودة دمشق الى مربعها العربي، وقلقة من فك القطيعة السياسية عن دمشق .
و اسرائيل تبدي خوفا واضحا في سلوكها الدبلوماسي من الدور الايراني، واتساع مساحة النفوذ الايراني، وحالة التقارب سورية، وهي الحليف والصديق الاول لايران في الاقليم مع الجوار العربي القريب والبعيد.
وبما يحمل من تفسيرات ان لقاء النقب جاء لقطع الطريق على ايران، وبعث رسائل اسرائيلية استباقية لايران ما بعد الاتفاق النووي المرتقب الاعلان عنه، ولربما ان دولا مشاركة في اللقاء ليست معنية في النوايا والمصالح الاسرائيلية واتجاهات موقفها من ايران.
الحسابات الاقليمية لا تجري بعيدا عن التحول في النظام العالمي وازمة اوكرانيا، وتراجع مكانة واشنطن، وبزوغ ثنائية وثلاثية في النظام العالمي بددت القطبية والاحادية الامريكية، وفي طبيعة الحال سيكون لذلك انعكاسا ملموسا ومحسوسا على ازمات الاقليم وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وحرب اليمن .
دول عربية التقطت الاشارات وفتحت قنوات سياسية ودبلوماسية لحوار معلن وسري مع ايران، وانفتحت واستدارت نحو موسكو وبكين، وطرحت مواقف خربطت لحد ما علاقات وتحالفات عسكرية واقتصادية وسياسية ما دول عربية وامريكا عمرها عقود.
عربيا من يبدا الان في الاستدارة نحو ايران وسورية سيملك اوراقا قوية في موازين القوى في الاقليم، وسيوقف الانجراف نحو علاقات خاسرة مع اسرائيل، ويخفف من انفراد اسرائيل بادوات ومفردات الصراع الفلسطيني / الاسرائيلي .
ايران ما بعد الاتفاق النووي، والانفتاح وفتح علاقات دبلوماسية وسياسية لربما هو سؤال عربي واسع ولا تستثني منه اي دولة، ويطرح السؤال الان في ضوء متغيرات ومستجدات عاصفة في الاقليم والعالم، وما خلفت ازمة اوكرانيا من ضرورة خلق توازن في العلاقات الدولية وتاسيس لنظام عادل في اقليم يعج بالازمات.