الدكتور المهندس أحمد الحسبان - تبدو كلمات هذا العنوان ثقيلةً على المسامع؛ القصدُ والزخم، ولكنها بسيطةُ التطبيق اذا أيقنتها النفس، وتمعنت في مفهومهما، وقد تكون ذات أصول حربية هجومية، ولكني أراها اجتماعية - نفسية أصلاً، وسأسلط على ذلك الضوءَ في هذا المقال القصير، المبني على نظريات فيزيائية.
من المعروف أن الانسان بماديته غير الملائكية يتسم بالنسيان، فهو سريع التقلب بين الأحوال النفسية المختلفة، يكون ذات مرة حزيناً لفقد حبيب او لمرارة فشل ما، وسرعان ما ينسى حزنه هذا، وينخرط في أحوال نفسية أخرى جديدة، كسعادةٍ عابرة في رحلة ربيعية، أو فرحةِ تخريج، او زواج بمعشوق، او غيرها، وهكذا هي أيامه دُول، ارتفاعات تليها انخفاضات وبالعكس، تماماً كشكل الموجة الجيبية الفيزيائية، ذات قمم وقيعان، تتأرجح حول حد ثابث، ولا تدوم على حال واحد، أو كمن يريد المسير بسيارته من مكان لآخر، فإنه يسلك طرقا كثيرة، أحيانا تأخذه عن اتجاهه المنشود يميناً، وأحيانا يساراً، وربما تعيده للخلف قليلاً، ولكنه يحافظ على اتجاه محطته الأخيرة، وبنفس قوة الهمة وزخمها، وبمعدل سرعة محدد، لا يؤول للتوقف الا للضرورة، الى ان يصل وجهته الأخيرة، فبالرغم ان مسافته المقطوعة لبلوغ ذلك تزيد عن صافي المسافة المباشرة بين نقطتي الانطلاق والوصول، تضيع بعض الطاقة هنا وهناك، إلا أن الطاقة الاندفاعية الابتدائية تكون بمقدار أكبر لتغطي الضياع والهدر الحاصل فيه، فالعالم ليس مثالياً، وقوى الاتجاه المعاكس كثيرة، وبتلك الطاقة الكامنه الاكبر يتمكن من وصوله لمقصده.
الحفاظ على تحقيق الهدف لأية غاية نبيلة، أو سعادة مرجوة، أو طموح مأمول به، هو الاساس بالحصول على مقاصد الحياة الاجتماعية - فلكل مجتهد نصيب، فمن كان قصده من أعماله وأقواله الخير للجميع، والسعادة والرضا لنفسه، فلن يثنيه عن تحقيقها أية عوائق قد تشتت تركيزه وتنسيه لذة الفوز بها، وخاصةً اذا رافق ذلك زخم الاندفاع الكافي لتجاوز أية تأخيرات او ضياع لطاقته أثناء سعيه لذلك. فمن أراد السعادة لنفسه ولغيره؛ يجدر به أن لا يكتفي بجعلها لحظات عابرة فقط، بل وجب عليه ادامة زخم الوصول اليها باستمرار، سعياً منه لزيادة فترات حدوثها، أو زيادة تكرارها مرات عديدة ما أمكن، حتى وإن أثنته عن ذلك بعض الظروف القاسية، ومن أراد الصيام لأيام الشهر الفضيل المعدودات، يفترض به المحافظة على هذا القصد طيلة تلك الايام المعدودات، وادامة زخم الجهد المبذول للوصول لنهايته، حيث الفرحة بالعيد طاعةً وقبولاً، رغم الجوع والعطش والميل لكثرة اللهو والكلام الفارغ خلالها جراء النسيان، ومن أراد تحصيل درجة علمية ما ليلبي طموحاً شاغفاً لديه أو بحثاً عن علم نافع، عليه الا ينسى قصده بذلك طيلة فترة الدراسة، وأن يديم زخم همته واندفاعه خلالها، حتى وان فشل في النجاح ببعض المواد الدراسية، فهذا من باب الجهد الضائع الذي سيتجاوزه حتما بقوة الاندفاع المخزنة في ذاته، وزخمها الكامن في جنبات نفسه. ومن أراد العلو بالمناصب ينهج ذات النهج رغم صعوباته، ومن أراد المال والثراء، فعليه بنفس الطريقة، حتى وان تعرض لخسائر مادية احيانا، وهكذا هي الحروب بيت المتقاتلين، فتحافظ القوات المهاجمة على تحقيق أهدافها، وبزخمٍ كافٍ لا يقل عن خمس اضعاف القوات المدافعه، لضمان تحقيق النصر التام وبأسرع وقت ممكن وبأقل الخسائر، وما الحياة أصلاً الا حربٌ مع الطموحات والاهداف والمقاصد، يشتد وطيسها بين طالبها، وبين ظروف التيار الهادر - المعاكس لتحقيقها.
خلاصة القول؛ القصدُ والزخم، عاملان أساسيان لتحقيق أية غاية نبيلة كانت، بدونهما لن يتمكن الانسان، بطبيعته المائلة للنسيان، وبعيشه بظروفٍ صعبة متناقضة، أن يحقق أهدافه بهذه الحياة، لذلك قال تعالى في الآية ٥٥ من سورة الذاريات : (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ)، لأنهم آمنوا بوجود الله والحياة الآخرة، ويعملون لها ضمن مقاصد وأهداف محددة، بلا كسل ولا انشغال، ووضعوها نصب أعينهم وذخروا لها الغالي والنفيس، لكنهم قد ينسون جراء مشاغل الحياة و صروف الدهر، فتذكيرهم ينفعهم بالمحافظة على القصد، وادامة زخم العمل لأجلها كلّما عصفت بهم رياح الضياع وموجات النسيان.
دكتور مهندس أحمد الحسبان
بودابست - هنغاريا