في الحياة نِعمٌ عظيمةٌ مجانية لا تكلفنا تعريفة واحدة هي الرياضة والماء والقراءة.
واظبت على القراءة منذ نحو 64 عاما، لم اتفرغ لها كليا، فقد كنت اثناء عقود القراءة الستة، أدرس وأعمل وألعب وأسافر وأزور الناس والبلاد وارتاد المساجد والسينما، وأنشط في العمل النقابي والسياسي السري والعلني.
وأعتقد أن القراءة النقدية في الأدب والسياسة والفلسفة والفكر والفنون والسِّير، قد صقلتني ومكنتني من اتخاذ قرارات، والذهاب في اتجاهات، والخلوص إلى نتائج، واجراء مقايسات، كانت نسبة الخطأ والزلل والعثار فيها قليلة.
ورغم هذه العقود الطويلة من القراءة اليومية، لساعات طوال، لم أفكر في إصدار كتاب !! رغم أنني أكتب مقالات يومية بدأتها في صحيفة الأخبار عام 1977، وهي مقالات تعبت فيها وتسببت لي فيما تعرفون، من منع من الكتابة ومن العمل ومن السفر ! وهي مقالات تملأ دفات عشرات الكتب، لو أردت !
وقد اصدرت كتابي الأول مؤخرا، امتثالا لآراء عشرات الأصدقاء وتمنياتهم وضغوطاتهم، التي امتدت لنحو عشرين عاما.
ورأيي أن القراءة هي الاوتوستراد والناقل الآمن من أجل تحقيق «الصحة المعرفية» اللازمة لاتخاذ القرارات الحياتية كافة، الأكثر دقة والأقل خطأ والأقرب إلى الصواب والواقعية والممكن.
ولست اخترع العجلة و البارود حين ادعو إلى القراءة، فقد حضنا رب العزة في كتابنا الكريم على القراءة: «اقرأ».
ووردت في كتاب اخوتنا المسيحيين: «فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ».
وأرى أن القراءة صقل للشخصية وملاذ آمن لامتصاص الإحباط والتوتر والقلق واليأس.
فالقراءة توفر عوالم موازية تسهم في الدافعية المطلوبة للاستمرار والمواصلة والنهوض.
والكتابةُ هي الوجه الآخر للقراءة، فلا قراءة بلا كتابة،
كم ألهمَ ارنست همنجواي في رائعته الخالدة «الشيخ والبحر» أمما وحركات تحرر وأشخاصا، حين قال: «الإنسان قد يدمر، لكنه لا يهزم».
وكم الهمت أسطورة ُ سيزيف ومواصلة صعوده الجبل بلا توقف منذ الأزل وإلى الأبد.
وثمة اشعارنا الملهمة كرائعة توفيق زياد:
كأننا عشرون مستحيل،
في اللد والرملة والجليل،
هنا على صدوركم باقون كالجدار،
وفي حلوقكم، كقطعة الزجاج، كالصبار،
وفي عيونكم، زوبعة من نار.