سلامة الدرعاوي - تعكف لجنة رسميّة برئاسة رئيس الوزراء على إعداد خطة لتطوير القطاع العام، والتي من المتوقع ان تخرج بتوصيات في شهر حزيران المقبل لتكون خطة إصلاح عابرة للحكومات من أجل تطوير القطاع العام والذي سيكون على مراحل متعددة.
أحد أهم مظاهر التراجع في أداء القطاع العام في الأردن خلال السنوات الماضية هو تراجع مستوى المسؤولية لدى الموظف العام، وفقدانه لآليات المساءلة والتقييم لأعماله، لا بل بات هناك شعور عام بأن الموظف الحكومي والمسؤول على مختلف درجاته لديه حصانة ضد المساءلة، وقد تكون ممتدة لأصل الحكاية في التعيين، فلو كان التعيين يتم وفق المنافسة والكفاءة، لكانت مرجعية الموظف إلى تلك القواعد، لكن مرجعية الكثير من العاملين في القطاع العام الى تلك الجهات والقوى التي قامت بتعيينهم عن طريق الواسطات والمحسوبيات.
لم يعتد الموطن أن يُشاهد مسؤولاً في الدولة يُقدم استقالته طوعاً نتيجة خطأ إداريّ أو فنيّ خلال خدمتهِ العامة، وتحمل المسؤوليّة بِشرف، كما نُشاهد في الغرب إلا ما ندر، او نتيجة تدخل مباشر من قبل مرجعيات عليا تطلب منه الاستقالة الفورية، ففي أَلمَانِيَا قبل أعوام قليلة استقال وزير دفاعها نتيجة قيام طيّار ألمانيّ في حِلف الناتو بقصف مدرسة بالخطأ في كابول بأفغانستان، رغمَ انه لا علاقة له بأمر القصف لا مِن قريب ولا من بعيد، كُلّ ما في الأمر أن الطيار كان أَلمَانِيّاً فقط لا غير.
للأسف إن مفهوم تحمل المَسؤوليّة غائب عن مشهد العمل العام، وهذا له أسباب عدة، أهمها: أن طبيعة غالبية من يرتقي مسؤوليّة العمل العام خاصة من الوزراء وكبّار المسؤولين جاؤوا إلى تلك المناصب عن طريق التعيين المباشر، بمعنى أنهم لم يكونوا نتاج عمليّة انتخابيّة أو مؤسسيّة واضحة، وبالتالي لا يوجد لدى معظمهم شعور الرقابة على أعمالهم أو أن هُناك جهات تُراقب ما يفعلون ويقيّمون أعمالهم، ولا ينتظرون من الشّارع أي شيء، فالكثير منهم يأتي بالصدفة، ويذهب أيضاً بالصدفة، لا يعرف كيف جاء، ولا حتى كيف ذهب.
حتى مجلس النوّاب الذي هو صاحب الولاية الدستوريّة في الرقابة على الحكومة ومحاسبة وزرائها وسحب الثقة منها، للأسف لمّ يُمارس هذا الدور في الكثير من الحالات من باب تكامليّة العمل بين السلطات، علما أن هذا المفهوم غير موجود في العلاقة بين الحكومة والنوّاب، والأساس هي الرقابة والمحاسبة، لا بل إن كثيرين على قناعة كبيرة بأن النوّاب أغفلوا هذا البند و”طبطبوا” على الحكومات في الكثير من الملفات حسب رأي الكثير من المواطنين وفعاليات شعبيّة وحزبيّة مختلفة.
الحالات كثيرة التي جعلت المواطن يَشعرُ بأن المسؤول الحكومي مُحصن من المسؤوليّة والمحاسبة في السنوات السابقة، وساهمت هذه جَليّا في تراجعِ ثِقّة الشّارع بالسلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة معاً، فالحالات كثيرة التي تفرد المسؤول فيها باتخاذ القرارات الخاطئة والتي رتبت على الخزينة والأوضاع العامة الكثير من التداعيات السلبيّة، والمحصلة أن ذات المسؤول يتنقل بين المناصب ويترقى، وكأن الرسالة التي نَقولها للشّارع إن المسؤول دائماً على حق مهما كانت الكُلف جراء قراراته الخاطئة.
ثقافة تحمل المسؤولية لا يمكن أن تأتي بين ليلة وضحاها، ورغم أن غالبية مسؤولينا تعلموا بالغرب، وشاهدوا أرقى حالات الديمقراطية هناك، إلا أنهم عندما يأتون إلى المناصب في بلدنا يتناسون ما شاهدوه وتعلموه، ويتمسكون بالمنصب لدرجة غريبة عجيبة، مستندين في بقائهم بالسلطة على معايير غير مفهومة أبداً، حتى شغفهم في البقاء من النوع الغريب، وتمسكهم بالمنصب بات نوعاً من التحديّ للشّارع، وجزءاً لا يتجزأ من تفاهمات قوى مُتنفذة لا أكثر.
لا يعيب أي مسؤول أن يترك منصبه إذا ما أخطأ أو ما إذا حدث في قطاعه قضية كبيرة تمس الأمن المعيشيّ والاستقرار العام في البلد وتؤثر سلباً على توازن القوى في المُجتمع حتى ولو لم يكن للمسؤول علاقة مباشرة، فأخلاقيات المنصب العام تقتضي أن يتحمل مسؤوليته كاملة في المشهد العام.
لا يمكن إصلاح القطاع العام دون تعزيز مبدأ تحمل المسؤولية لدى الموظف العام في الدولة، فكما يكافؤ على حسن أعماله، فهو أيضا يحاسب على سوء تصرفاته وأخطائه، وهكذا تتم عملية الإصلاح، فالشعور الذاتي بالمحاسبة يعزز المسؤولية ويرتقي بالعمل المهم، ودون ذلك ستبقى عملية الإصلاح تدور حول نقطة الصفر، ولن نشاهد أي تطور في القطاع العام.