بين عامي 1976- 1981 كان طالب الهندسة موسى المعايطة رئيسا للاتحاد الوطني لطلبة الأردن في رومانيا، هناك في بلد الدانوب شكل المعايطة وعيه السياسي اليساري، وارتبط بعلاقات وطيدة مع جيل من الشباب الأردني الذي درس هناك، وتلقى تحولات اوروبا العتيقة خاصة بعد تداعيات ربيع براغ في الجمهورية الاشتراكية التشيكوسلوفاكية، حين حاول الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي أن ينهج اتجاها إصلاحيا وأقرب للديمقراطية، وذلك منذ 5 يناير 1968، وتوج ذلك بوصول الإصلاحي ألكسندر دوبتشيك للسلطة في براغ، وانتهت تلك الحقبة في 21 أغسطس 1968، باجتياح عسكري للبلاد من طرف قوات حلف وارسو، بقيادة الاتحادالسوفييتي، آنذاك كان دوبتشيك رجل حريات واصلاح ودمقرطة، لكنه ازعج الكرملين فاطيح به.
ثم عاد المعاطية للأردن، وعمل جيدا وبكثافة في الحياة السياسية الحزبية الأردنية، فعرف الحزبية جيداً وعرف علاّتها قبيل التحول الديمقراطي عام 1989 . ولم يكن في مسيرتة الحزبية معارضاً قاسياً بل اقرب للتيار العقلاني في اليسار، فآمن في المؤسسة الحزبية ونشط بها، وشارك في العمل النقابي بين عامي 1989- 1991 وانتخب عضوا في مجلس نقابة المهندسين ورئيسا لشعبة الكهرباء، وبين عامي 1991 -1996 شارك بتأسيس الحزب الديمقراطي الوحودي الذي نشأ عن توحيد اربعة احزاب يسارية وانتخب امينا عاماً للحزب عام 1996 وظل منتخبا حتى عام 2008 وبعد عام دخل بيت الحكومة في حكومة نادر الذهبي عام 2009 وزيرا للتنمية السياسية.
تعاقب المعايطة في الحقائب الوزارية للتنمية السياسية والشؤون السياسية والبرلمانية مع سمير الرفاعي ومعروف البخيت وهاني الملقي وعمر الرزاز وبشر الخصاونه، معنى ذلك انه خرج منها في حكومات عبدالله النسور وفايز الطراونه وعون الخصاونه، وبين عامي 2013 -2016 شغل عضوية مجلس الاعيان.
ماذا يعني هذا؟ على خلاف اهل اليسار المتحولين للسلطة التنفيذية وهو أمر مهم تحليله في بلد مثل الأردن لا يشهد اكتمال دميقراطيته حتى اليوم، فقد حجز موسى المعاطية موقعا ثابتا لنفسه في المشهد السياسي الأردني التنفيذي لأكثر من عقد من الزمن، في اهم عقود الدولة وتاريخها من حيث العمل على التحديث والتطوير السياسي وفي ظهور سلطة الجمهور خاصة في زمن الربيع العربي. وهذا يعني ان الرجل اوجد امكانية البقاء لشخصه، بمعزل مسألة التمثيل الجهوي لمدينته الكرك في الحكومة التي غالبا ما تقدم نماذجها الوظيفية في اشغال موقع «وزير جهوي» من الطبقة البيروقراطية والخبراء واستاذة الجامعات.
في نظر كثيرين تحول موسى المعايطة من رجل سياسة وداعية للحزبية، إلى عقل مرن في آليات التواصل مع النواب والناس داخل الحكومة، وفي ذات الوقت هو محافظ في مسألة الإصلاح ولا يود اصلاحا في الهواء وامامه دروس الربيع العربي كلها، هذا الأمر يعني انه كان متوازنا في تمثل ما يطلبه الجهمور سياسيا وما يجب على الدولة ان تفعله بهدوء، لكنه يبدو أنه لم يكن متحمسا للطلبات الساخنة من قبل الشارع.
اليوم يُنتدب المعايطة لمهمة جديدة في حياته السياسبة وهي رئاسة الهيئة المستقلة للانتخابات وقد جاء خلفا، لسلف يساري أيضا وهو د خالد الكلالدة، الذي بذل الكثير واجتهد وانجز لنا نموذج فريد من القدرة على بناء مؤسسات مستقلة فاعلة بشكل حقيقي.
ربما اليسار حين يكون في خدمة الدولة في نموذجي المعايطة والكلالدة، خاضع للنقد أو النقاش، لكن الرجلان اليوم يعودان للشعب من بوابة الهيئة المستقلة للانتخاب، المعايطة ليضيف ويحسن، والكلالدة للناس العاديين الذين كانوا يؤمون عيادته في كل امراضهم مع جرعة من حديث السياسية، ومن الهيئة المستقلة خرج الكلالدة ليدخل قاموس الاحترام الاردني.