حسن محمد الزبن - في الوقت الذي تمارس فيه كل أدوات القهر والتعذيب، والتنكيل بالشعب الفلسطيني، عبر مسلسل تجاوز سبعة عقود، والعالم العربي لا يحسن إلا الشجب والاستنكار، والعالم الغربي بمؤسساته الدولية، لا نجده إلا منتصرا وداعما للدولة الصهيونية المتغطرسة، وأحقية الشعب اليهودي أن يعيش بأمان، واليوم أمام العالم مفارقة عجيبة في التعامل مع الشعب الاوكراني الذي لم تتجاوز محنته ثلاثة أشهر، نجد كل الدعم من كل الجهات الدولية بأن لا تمس حريته وحقوقه الإنسانية، وتعلن كل العقوبات التي كتبت في القوانين الدولية لحماية الانسان، والتي لم تكتب، لمحاسبة روسيا على فعلتها واعتبارها مجرمة حرب.
ونتساءل أين كانت الشرعية الدولية وقوانينها من التشريد والمذابح والجرائم الصهيونية المستمرة بحق الشعب الفلسطيني ؟.
في الوقت الضاغط والمتأزم نجحت الدبلوماسية الأردنية بالتنسيق مع الجانب الفلسطيني، والمجموعتين العربية والإسلامية في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، باستصدار قرار رقم (214) بالإجماع حول مدينة القدس القديمة وأسوارها، يُؤكد على جميع محاور الموقف الأردني إزاء البلدة القديمة للقدس وأسوارها، بما فيها الأماكن المُقدسة الإسلامية والمسيحية، وبأنّه أعاد التأكيد على اعتبار جميع الإجراءات الإسرائيلية الرامية إلى تغيير طابع المدينة المُقدسة ووضعها القانوني لاغيةً وباطلة، ويُطالب إسرائيل بوقف انتهاكاتها وإجراءاتها أحادية الجانب غير القانونية ضد المسجد الأقصى المُبارك/الحرم القُدسيّ الشريف، وفي البلدة القديمة للقدس وأسوارها، والقرار ثبّت المكتسبات في القرارات السابقة وعلى وجه الخصوص تثبيت تسمية المسجد الأقصى المُبارك/الحرم القُدسيّ الشريف كمترادفين لمعنى واحد.
وأعلن الكنيس اليهودي "تسيدك شيكاغو"، في مدينة شيكاغو الأميركية، أن أعضاءه صوتوا لصالح قرار يعرف الكنيس بأنه "معاد للصهيونية"، وتضامنه مع الشعب الفلسطيني، وأصدر الكنيس الذي يتجاوز عدد أتباعه 3000 يهودي، بيانا أدان فيه قيام إسرائيل باعتبارها "ظلما للشعب الفلسطيني"، واعتبر بيان الكنيس أن الصهيونية تعتمد على الحفاظ على أغلبية يهودية ديمغرافية في الأرض.
ومن جهة أخرى سيكون تداعيات وردات فعل لما أقدم عليه الحاخام المستوطن المتطرف "يهودا غليك"، باقتحامه مجددا للمسجد الأقصى المبارك من جهة باب المغاربة، بحراسة مشددة من قوات الاحتلال الخاصة، و(163) مستوطنا، اقتحموا ساحات المسجد الأقصى صباح اليوم، ونفذوا جولات استفزازية داخله، وجماعات "الهيكل" دعت إلى اقتحام الأقصى خلال "عيد الفصح" العبري، وذلك من 16 وحتى 21 من هذا الشهر.
ويتزامن ذلك مع خسارة الائتلاف الحكومي الإسرائيلي الذي يترأسه "نفتالي بينيت" أغلبيته البرلمانية، بإعلان نائبة يمينية انسحابها من الكنيست الإسرائيلي في الائتلاف الحاكم، بشكل غير متوقع، ما جعل حكومة رئيس الوزراء "نفتالي بينيت" تخسر أغلبيتها الضئيلة في المجلس، والنائبة "عيديت" اتفقت مع حزب ليكود، بزعامة رئيس الوزراء السابق "بنيامين نتنياهو" على تخصيص المكان العاشر في قائمة الحزب للانتخابات القادمة لها، وتوليها منصب وزيرة الصحة، وهذا يدعو للتساؤل هل من الممكن أن تنهار الحكومة الحالية؟.. وهل يعود "بنيامين نتنياهو" من جديد؟..، ونعود للمربع الأول من العناد الأكثر حدية مما نواجهه اليوم.
والآن بعد مقتل أحد عشر شخصا، وضعت إسرائيل قواتها في حالة تأهب وعززت الإجراءات الأمنية خلال هذا الشهر الفضيل، ودعوة "بينيت" شعب اسرائيل الى حمل السلاح واستخدامه حتى لو كانوا في رحلة استجمام، تخوفا من أي عمليات فردية ضدهم، وعادة يتجمع عشرات الآلاف من المصلين في باحات المسجد الاقصى في القدس لأداء صلاة التراويح في الليل الخاصة بشهر رمضان، وتحكم القوات الإسرائيلية السيطرة على مداخل الموقع الذي تتولى إدارته دائرة الأوقاف الإسلامية التابعة للأردن.
لكن يبدو أن إسرائيل لم تستوعب من درس سابق، لم يزل ماثلا أمام العالم والمراقبين، عندما بدأت المواجهة أعقاب تظاهرات احتجاجية على تهديد عائلات فلسطينية بالإخلاء في حي الشيخ جراح من قبل المستوطنين الإسرائيليين، واتخذت الشرطة إجراءات لمنع الناس من الجلوس على مدرج قريب من باب العمود، مما تسببت بتوترات خطيرة، وأدى ذلك إلى تظاهرات ليلية شبه يومية بعد أنهاء صلاة التراويح ومغادرة عشرات الآلاف من المصلين باحات الأقصى، وتطورت الأمور إلى مواجهة مع قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس، التي اطلقت وابلا من الصواريخ باتجاه إسرائيل، وافضى ذلك الى حرب استمرت أحد عشر يوما.
منذ نهاية تلك الحرب انخفض التصعيد من غزة على إسرائيل بشكل واضح، وعملت الحكومة الإسرائيلية الجديدة على زيادة عدد تصاريح العمل للفلسطينيين من قطاع غزة المحاصر للعمل فيها من 12000 إلى 20000 تصريح وذلك على أمل بث نشاط جديد في قطاع غزة الذي تبلغ نسبة البطالة فيه حوالة 50% من القوى العاملة، الامر الذي دفع حماس إلى تجنب مواجهة أخرى.
أعلن وزير الدفاع الاسرائيلي بيني غانتس من وقت قريب أن التصاريح ستكون مشروطة باستتباب الهدوء. وقال "قدرتنا على تنفيذ هذه الإجراءات مثل تصاريح العمل لسكان غزة مهددة الآن من قبل الإرهاب ، ولن ننفذها إلا إذا استقر الوضع الأمني مرة أخرى"،
في أعقاب الهجوم الدامي بالقرب من تل أبيب الذي نفذه فلسطيني كان مسجونًا سابقًا في إسرائيل، نفذت القوات الإسرائيلية عمليات في جنين وشمال الضفة الغربية حيث المنطقة متوترة، واستشهد ثلاثة فلسطينيين من حركة الجهاد الإسلامي خلال عملية شمال الضفة الغربية المحتلة.
ومن أيام زار الرئيس الإسرائيلي "إسحق هرتزوغ" ووزير الدفاع "بيني غانتس" الأردن لإجراء محادثات مع الملك عبد الله الثاني الذي تحدث أيضًا عبر الهاتف مع رئيس الوزراء "نفتالي بينيت"، وأكد الملك ضرورة "إيجاد تهدئة شاملة" بين الإسرائيليين والفلسطينيين، كما زار الملك أيضا رام الله ، مقر السلطة الفلسطينية ، للتباحث مع الرئيس عباس والدعوة إلى الاستقرار خلال شهر رمضان.
والملك عبد الله التقى فيما بعد أيضا "غانتس" في قصر الحسينية في عمان وأكد على ضرورة إيجاد أفق حقيقي لتحقيق السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين، واحترام الوضع التاريخي والقانوني في القدس ومقدساتها، وإزالة المعيقات واتخاذ الإجراءات التي تضمن حرية المصلين في شهر رمضان الفضيل، وشدد على "ضرورة وقف كل الإجراءات التي تقوض فرص تحقيق السلام".
الأنظار الآن نحو مدينة القدس في ظل مخاوف محلية ودولية من اندلاع مواجهات بين الفلسطينيين والشرطة الإسرائيلية على غرار ما جرى العام الماضي، لاسيما أن شهر رمضان يتزامن هذا العام مع أعياد يهودية، وسط استعداد آلاف المستوطنين الإسرائيليين المتطرفين لاقتحام المسجد الأقصى، والأحداث في القدس تزداد صعوبة في ظل السياسات والقيود الإسرائيلية، وتشترط السلطات الإسرائيلية على سكان الضفة الغربية الحصول على تصاريح حتى يتمكنوا من الوصول إلى القدس لأداء الصلاة.
واليوم يقوم منفذا لعملية في وسط تل أبيب، ردا على ممارسات إسرائيلية لم تتوقف، ويطلق النار على المستوطنين في أحد المقاهي في شارع ديزنغوف ، ويقال أنه استحوذ على السلاح بالقوة من أحد جنود الاحتلال، وينتقل لمكان آخر، قد يبقى فعل الاشتباك قائما حتى تنفذ ذخيرة منفذ العملية الذي يواجه جيش الاحتلال المدجج بالسلاح ورأس حربته من المستوطنين اللذين أصبحوا رديفا للقوات الإسرائيلية في الشارع الفلسطيني، ونتج عن الاشتباك حسب مصادر عبرية مقتل إسرائيليين اثنين وإصابة آخرين، وحسب التقديرات أربعة إصابات على الأقل، ووصل رئيس الوزراء الإسرائيلي "نفتالي بينيت" الى مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية لمتابعة تطورات الحادث وإجراء مشاورات أمنية، ويشارك بالجلسة وزير الدفاع "بيني جانتس" ورئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي "أفيفي كوخافي" وقادة أجهزة الأمن،
وجاءت عملية اطلاق النار في ذروة تأهب أمني أعلنت عنه الشرطة الإسرائيلية قبل أيام، إثر ثلاث عمليات وقعت قبل أيام كما ذكرنا آنفا، في ثلاثة مدن مختلفة في إسرائيل أدت لمقتل أحد عشر إسرائيليا، وهذا يعني أن الانفجار وشيكا، أو قد بدأ.
وإذا بقي العالم منحازا لإسرائيل، ويكيل بمكيالين، سيبقى الحجر والمقامة، وستبقى عقيدة الشهادة هي القوة التي تقارع الإسرائيليين ورأس حربتهم، وسيشهد العالم انتفاضة عريضة وقوية وتختلف بأدواتها وأدائها، وسيربك الدولة الإسرائيلية بكل ما تملكه من قوة عسكرية تتبجح بها، وستدفع ثمن موقفها لنكران حق الشعب الفلسطيني بحريته على أرضه، وحريته في أداء شعائره الدينية في المسجد الأقصى.
ورغم عوامل التهدئة، والتنسيق الأردني-الفلسطيني، إلا أن الأمر يقود للصدام مع توقعات اقتحام المسجد الأقصى بيوم "عيد الفصح" اليهودي ، وموعده قريب، في إقامة "الطقوس التلمودية" التي تمثل استفزازا لمشاعر الفلسطينيين، مع أن السلطة الفلسطينية، وفصائل المقاومة في غزة، ليس لها رغبة في الصدام، وهناك جهود دبلوماسية ووساطات قائمة ومستمرة من قبل مصر والأردن للعمل على "لجم" اعتداءات الاحتلال في القدس، والتي تمارس ليلا، وضرورة تخلي تلك القوات الإسرائيلية عن دور الحامي لهجمات المستوطنين المتطرفين ضد المناطق الفلسطينية، والعمل على وقفها تماما، من أجل ضمان الهدوء، والأردن أبلغ الإدارة الامريكية التدخل لدى الاسرائيليين ومنع تفاقم الوضع، لكن في النهاية يبقى تصعيد الأمور أو عودة الهدوء مرتبط بمدى الإجراءات التي يقوم بها جنود الاحتلال والمستوطنون في القدس، والأمر برمته مرهون باستقرار الوضع الميداني الليلي في منطقة باب العمود وأحياء القدس.
حمى الله فلسطين وأهلها،،