ألف وأربعمائة وثلاث وأربعون رمضان مر على المسلمين صياما وقياما والتزاما بعبادة خص الله بها نفسه من حيث الجزاء، وهي العبادة الفريدة غير المعلنة القائمة على الوازع والضمير الذاتي، والمفترض أنها خالصة لوجه الله تعالى.
لقد أصبحت طقوس العبادات أهم من العبادات، وأصبحت الصورة والكلمة أهم من الحدث نفسه، بل وتضفي عليه رونقا وجاذبية ليست بالضرورة من خصائصه.
هناك من يرى في الطقوس الاحتفالية في استقبال رمضان شيئا غير صحيح ومنهم من يؤكد حرمة هذا الاحتفاء الذي يأخذ أشكال التزيين والإضاءة ووضع الأشياء المبهجة والزاهية، وتسمع عادة من يكرر في كل لحظة التهديد والوعيد بعدم قبول صيام الفرد إذا ما خالف وقام بما ينقض الصيام، والواقع أنني مع الاحتفاليات ونشر الفرح في الحياة ومنها بالتأكيد العبادات، نعم هناك محاذير ومخاوف ونواهي لا بد من مراعاتها، لكن الأساس هو أن تكون العبادة نابعة من القلب ومستقرة في الوجدان، وتمارس بحب صاف خالص، تقربا وتحببا في كرم الله قبل أن تكون خشية من عقاب أو عذاب.
ثمة سلوكات أصبحت مع تراكمية دورات رمضان وكأنها جزء عضوي منه، فقد ارتبطت أطعمة وعصائر وحلويات حتى أخذت صفة أنها رمضانية، فالقطائف الرمضانية لا تستحب أكلها إلا في رمضان، وعصير التمر هندي أو عرقسوس اكتسب شكلا رمضانيا، وقمر الدين الذي هو من المشمش بات جزءا حاضرا على موائد السحور، والخيم الرمضانية التي تتباين ما بين خيم إفطار جماعي للصائمين، وخيم لما تدعى بالأمسيات والسهرات الرمضانية.
إن جملة اللهم إني صائم والقصد منها التلفظ بها عند التوتر أو إمكانية الوقوع في ممارسات تهدد صيام الفرد، أصبحت هذه الجملة مع زحمة الحياة اليومية والعنف الملاحظ في الشوارع وطوابير الانتظار للشراء أو لأية معاملة، أقول باتت جملة مكرورة وربما فقدت كثيرا من معانيها لدى البعض الذين يستخدمونها طيلة الوقت فيما هم منعمسون بكل ما ينقض صيامهم.
الصيام عبادة بين الفرد وربه بالدرجة الأولى، وهو إن لم يؤد إلى صفاء الروح والنفس، فهو يشوبه شيء من التشويه له، إن كثيرا من الممارسات اليومية المشاهدة والمزعجة التي نقترفها بحق أنفسنا أولا وبحق الآخرين، نتيجة التذرع بالصيام وكأنه عبء وليس راحة للنفس والجسد والقلب.
رمضان جاء وجاءت معه الفرصة للسكينة والتأمل والرضا والشعور بالإنجاز، فلا أحلى من لحظات ما قبل الإفطار، لكنها تصبح بمثابة كوارث حقيقية بسبب التزاحم والسرعة الجنونية للمركبات بهدف الوصول إلى البيوت قبل الأذان.
الحديث يطول عن سلوكات وممارسات هي بالأساس غير مقبولة اجتماعيا وطيلة الوقت، والأجدى أن تكون مستهجنة تماما في رمضان.
رمضان أهل بهلاله، فانشروا الفرح في جنبات بيوتكم وأنفسكم ونقوا القلب والوجدان من شوائب الحياة.
اللهم تقبل الصيام والقيام ، تقبل الطاعات والعبادات، واجعل رمضان شهر المسرات والخيرات والبركات.