مهدي مبارك عبد الله - تزامنا مع الذكرى العشرين لملحمة جنين الخالدة نفذ المجاهد الصنديد ابن مخيم جنين بالضفة الغربية المحتلة وأحد عناصر كتائب الأقصى الذراع العسكري لحركة فتح الفدائي الشهيد رعد فتحي حازم ليلة الخميس الماضي عملية بطولية جريئة ونوعية داخل العمق الصهيوني في شارع ديزنغوف وسط مدينة تل أبيب ما دفع السلطات الإسرائيلية إلى استدعاء قوات خاصة من الامن والجيش وأذرع المخابرات والشباك قدرت بنحو 1000 عنصر انتشروا في كل ارجاء المكان
الفدائي المقدام رعد وبشكل مفاجئ أطلق العنان لمسدسه مصوباً رصاصاته بكل قوة وثقة وتصميم تجاه من اعتبرهم لا يستحقون لطفه ولا رحمته ولا حسن جواره أولئك الصهاينة الذين قاموا بتحويل مخيم جنين حيث نشأ وعاش على كابوس يومي وهو يشاهد جنود وأمن الاحتلال يقتحموا البيوت ويعتقلوا الشبان ويقيموا الحواجز ويغلقوا الشوارع والطرقات ويمارسوا بحق المواطنين أبشع صور القتل والاعتقال والإذلال
العملية البطولية التي جاءت كرد طبيعي على جرائم الاحتلال المستمرة بحق الشعب الفلسطيني أسفرت حتى الساعة عن مقتل ثلاثة إسرائيليين وإصابة 15 آخرين بجراح متفاوتة وصفت حالة بعضهم بالحرجة فيما استمرت بعدها عملية ملاحقة المنفذ لساعات إلى أن اشتبك مع قوات اليمام الصهيوني في مسجد بيافا المحتلة واستشهد خلال المواجهة
شارع ديزنغوف حيث نفذت العملية يعد أحد الشوارع الرئيسية الهامة في تل أبيب ويحتوي على مركز تسوّق وميدان ومحلات تجارية أخرى وهو الشارع ذاته الذي نفذ فيه الشهيد نشأت ملحم عملية مماثلة قبل سنوات كما نفذ الشهيد رامز عبيد عملية أخرى في ذات المكان أسفرت عن مقتل 13 إسرائيلي في آذار 1996
عشر ساعات بفعل مجاهد واحد وقفت دولة الاحتلال الصهيوني خلالها على رؤوس أصابعها في حالة من الرعب والهلع والخوف مع الاستنفار الأمني والعسكري والإحباط والارتباك السياسي باختصار شديد هكذا كان حال تل أبيب بعدما هاجمها الشاب الفلسطيني اللطيف رعد حازم ليذيق سارقي ارضه بعض ما يعيشه أصحابها الأصليون على مر اليوم و الساعة
العمليات البطولة المتكررة في العمق الصهيوني تثبت في كل يوم حقيقة واضحة متجددة بان هنالك مسار جديد لصراع وأن ثمة تحولاً ميدانياً مختلفاً عما سبق وأنه لا مستقبل لليهود مطلقا على الأرض الفلسطينية وان تصاعد وتيرتها يعتبر أكبر دليل على إيمان الشعب الفلسطيني بعدالة قضيته وشرعية مقاومته وتمسكه بالخيار الصحيح لاسترداد ارضه وحقوقه وهو يواصل معركة الحرية والتحرير والكرامة
هذه العملية هي الرابعة خلال ثلاثة أسابيع في إسرائيل حيث سبقتها 3 عمليات في بئر السبع والخضيرة وبني براك أسفرت مجتمِعة عن مقتل 11 شخصا بينهم عناصر أمن ولا زالت إسرائيل غير قادرة حتى اللحظة على إيجاد عنوان مشترك لهذه العمليات سوى أنها منفردة علاوة على محاكاتها لبعضها البعض عبر اعادة انتهاج الطريقة ذاتها في التنفيذ والنتيجة إضافة إلى كونها تجسد انفجاراً لبرميل البارود الذي حذرت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية قبل سنتين من أنه كان فقط ينتظر عود ثقاب ليشتعل
الشهيد المغوار رعد في الأقرب انه لم يكن ينتمي الى أي فصيل مقاوم وما يعزز ذلك هو إقرار الأمن الإسرائيلي نفسه بعدم وجود أي شبهات او سوابق أمنية له وعدم تعرضه للاعتقال أو لأي متابعة أمنية في الماضي وهو ما دفع الاحتلال إلى الاعتقاد بأنه خطط للعملية ثم نفذها من تلقاء نفسه في إطار محاكاته للعمليات الأخيرة وهو ما جعل صعوبة كبيرة أمام الأجهزة الامنية للتنبؤ بها والعمل على إحباطها قبل وقوعها
جيش الاحتلال الصهيوني قام بعمليته العسكرية الاخيرة بمحاولته دخول مدينة جنين ومخيمها من اجل كسر ( حالة جنين ) وخشية من امتدادها إلى بقية مناطق الضفة الغربية خاصة وأن منفذي العمليتين الأخيرتين يتحدران من محافظة جنين علاوة على اغتيال ثلاثة شبان من جنين قبل أيام واعتقال رابعهم من طولكرم بزعم أنهم عبارة عن خلية تابعة لحركة الجهاد الإسلامي كانت تنوي تنفيذ عملية داخل الخط الأخضر
بقراءة أعمق لمشهد العمليات الأخيرة نجد انها صادمة جدا للاحتلال ولا يمكن معرفة نهايتها وسبل تطورها الدراماتيكي من حيث الطريقة والكثافة وحتى الجغرافيا وأن أكثر ما يقلق جيش الاحتلال في هذه الأثناء هو انتشار السلاح الأوتوماتيكي بين الفلسطينيين في الضفة الغربية وأراضي 48 بكميات كبيرة ومن مصادر متنوعة من بينها التهريب عبر الحدود الأردنية والمصرية واللبنانية إضافة إلى السلاح الذي يتم تسريبه من معسكرات الجيش الإسرائيلي ثم بيعه لجهات مختلفة ووصوله إلى أيادي شبان ينفذون عمليات ضد أهداف إسرائيلية وهو ما دعا جيش الاحتلال الى التلويح بحملة كبيرة لجمع هذا السلاح من الضفة ومناطق الخط الأخضر
على الاحتلال ان يعلم جيدا ان تل أبيب ومستوطنيها لن تبقى محيدة وبعيدة عن الصراع ولن يكون الشهيد رعد آخر الفدائيين وعملية قلب تل أبيب لن تكون كذلك هي الأخيرة ويمكننا القول بقين مطلق بأن الخوف لم يتسلل بعد إلى قلوب هؤلاء الشبان الابطال والقادة وهم يخططون منفردين لكسر مهزلة ( السور الواقي ) بتقديمهم شكل جديد من المقاومة ورفض بقاء الاحتلال على أرضهم وبما استلهموه من شجاعة واقدام من سبقهم من المناضلين على طريق النصر والكرامة
انهاء الاحتلال هو المحك الحقيقي وجوهر الصراع ولا بديل عن الحل السياسي التفاوضي على قاعدة الشرعية الدولية وقراراتها المتفق عليها وأن جميع البدائل التي تحاول إسرائيل فرضها على الشعب الفلسطيني ستفشل لا محالة بدون عودة الحقوق إلى أصحابها ووقف سياسات الاحتلال العنصرية والاجرامية المتسبب الرئيسي بكل ما يجري لان رجال المقاومة لن يسمحوا للاحتلال باجتياح واستباحة مدنهم وقراهم ومخيماتهم باعتبار أن ممارسة الجهاد حق مشروع كفلته كافة القرارات والقوانين الدولية في ظل تعنت واستكبار الاحتلال وفشل كل حلول السراب والمفاوضات العبثية
الكيان الصهيوني اليوم في واقعه قلبه يرتجف ومؤخرته تنزف بعدما أصبح يعيش أزمة وجود وفشل سياسي واستراتيجي وأمني نتيجة ضربات المقاومة المتتالية على منظومته الهشة وان دماء الشهداء الابرار ستبقى وقوداً للمعركة والانتفاضة المتواصلة وستزيد من روح الثورة والتحدي والبطولات بكافة أشكالها وأدواتها في التصدي للاحتلال الذي يتحمل المسؤولية الكاملة عن استمرار جرائمه بحق أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل
ان استمرار إدانة بعض الأنظمة العربية والإسلامية بشكل عام للعمليات البطولية عمل مدان ومرفوض ويشكل تساوق فاضح مع سياسة الاحتلال في تجريم وشيطنة الشعب الفلسطيني ومقاومة الباسلة وان إدانة رئيس السلطة للعمليات البطولية تأتي في إطار استمرار التنسيق الأمني وتؤكد مخالفته للإجماع الوطني الداعي لتصعيد المقاومة كخيار استراتيجي لمواجهة الاحتلال والتصدي لعدوانه بعدما جعل الابطال من الشهداء شهر رمضان هذا العام مختلفاً ومليئاً بالعزة والكرامة
على هذه الدول الاعتذار عن هذه الإدانات والتراجع عنها كما أن عليها إدانة سياسة حكومة المستوطنين ومطالبة دول العالم بإدانة سياسة الاستيطان والقتل واقتحام المدن والتضييق على المصلين في المسجد الأقصى والوقوف مع الحق التاريخي للشعب الفلسطيني في أرضه بدلاً من تملق الاحتلال وضرورة الانسجام مع مواقف شعوبها الحرة التي تناصر فلسطين وشعبها ومقاومتها
التصعيد الإسرائيلي المتعمد ضد الشعب الفلسطيني وارضه وممتلكاته ومنازله ومقدساته من خلال عمليات الاقتحام والاجتياحات العنيفة التي تقوم بها قوات الاحتلال لمراكز المدن والبلدات والقرى والمخيمات الفلسطينية كما حصل مؤخرا في اقتحام مخيم جنين وأدى الى استشهاد الشاب احمد السعدي
إضافة الى اعتداءات ميليشيات المستوطنين الإرهابية على حياة المواطنين الفلسطينيين ومركباتهم في عموم الضفة الغربية المحتلة وعمليات اسرلة وتهويد القدس وقمع مواطنيها وتحويلها الى ثكنة عسكرية خلال شهر رمضان الفضيل وفرض المزيد من التضييقات التي تحول دون وصول المواطنين اليها لن يجدي نفعا وسوف يزيد المقاومة والعنف لهيب وتمدد
الحكومة الإسرائيلية برئاسة المتطرف نفتالي بينت تتحمل المسؤولية الكاملة والمباشرة عن نتائج وتداعيات هذا التصعيد على ساحة الصراع والمنطقة ومحاولتها تحويل الصراع من سياسي الى ديني يقوده ضباط الجيش والحاخامات المتطرفين وقطعان المستوطنين وعصابات اليمين المتشددة
ختاما بكل معاني الفخر والاعتزاز نهنئ جنين ومخيمها وعائلة البطل رعد حازم بارتقائه شهيدا مقبلا لا مدبرا ونحن نعتز بجسارته وعظمة فعله المقاوم على طريق تحرير فلسطين كل فلسطين
mahdimubarak@gmail.com