تراجعت حدة التصريحات بين روسيا والغرب على نحو ملموس في الايام الاخيرة، وصل الامر بروسيا القول بأن العملية العسكرية في اوكرانيا قد تنتهي قريبا. هذا امر مشجع تستفيد منه جميع الاطراف والعالم بالمجمل الذي عانى من ارتفاعات عالمية بالاسعار وتضخم نتيجة الازمة التي رفعت اسعار الطاقة وزادت الطلب على السلاح.
السبب الرئيس في توقعات انحسار الازمة تسنى بسبب التفاوض الروسي الاوكراني، الذي وصل لنقطة باتت واضحة الى حد كبير، وهي عدم دخول اوكرانيا الناتو، وانما دخولها وانضمامها للاتحاد الاوروبي فقط. هذه نقطة جوهرية وصل لها الطرفان، مع تأكيد الغرب ان قرار اوكرانيا في الانضمام لأي منظمة شأن سيادي لم يشاؤوا التدخل به. وصل الاوكرانيون لهذه القناعة لان دخول الناتو اصبح هو المهدد وليس الحامي لامنهم القومي، والتراجع عن طلب عضوية الناتو فيه حكمة وعقلانية سياسية براغماتية، رغم ان الانضمام حقهم السيادي وانه لم يكن مهددا لروسيا ولا يستهدفها كما اعتقدت بعض العقليات التي ما زالت تنتمي للحرب الباردة.
من الاسباب الاخرى التي دفعت باتجاه التهدئة، العقوبات الاقتصادية الشديدة على موسكو تشير التوقعات انها ستؤدي لانكماش الاقتصاد الروسي بمعدل 10 % وهذا امر كبير وخطير لا بد ان العقلاء من الروس ادركوا ضرورات ايقافه لانه يضعف روسيا استراتيجيا. روسيا غدت صاحبة مصلحة كبيرة بوقف الازمة كي تبدأ مرحلة الاشتباك لرفع العقوبات والعودة لمرحلة ما قبل الحرب في اوكرانيا. التوقعات المبنية على تجارب سابقة تشير ان العقوبات لن يتم رفعها بسرعة وسهولة، وانها سوف تستمر وسيكون على روسيا دفع اثمان وتقديم تنازلات وضمانات لرفعها. عندما دخلت روسيا الحرب وضعت الغرب في موقع استراتيجي مثالي لمعاقبتها وهذا ما حدث، وهو الان لن يرفع العقوبات بسهولة فالتفاعل مع روسيا والتعامل معها في مرحلة ما قبل الحرب سيكون مختلفا عن مرحلة ما بعدها. التاريخ يعلمنا ذلك.
كان ايضا للاسلحة النوعية التي مد الغرب بها اوكرانيا دور في حصر وتغيير الاقدامية الروسية على الاستمرار بالغزو. اسلحة نوعية لا يحلم احد باقتنائها اعطيت لاوكرانيا وهذا كان له وقعه على العمليات العسكرية الميدانية. الغزو لم يكن نزهة سهلة بلا تكلفة، بل تكبد فيه الطرفان ارواحا واموالا طائلة آلمت كليهما.
سينتهي الغزو بشكل او بآخر، والارجح على المدى المنظور، لكن التعامل مع روسيا سيكون مختلفا من قبل العالم، فقد اجلسها الغزو في موقع العدو من جديد. هذا سيرتب اعباء وتكاليف سياسية واقتصادية على روسيا، وحتى في ظل انفتاح اوروبي غربي عليها ان هذا حدث، فسيبقى الهدف اضعاف روسيا والاستمرار بالبحث عن تغيير على مستوى القيادة فيها. روسيا ما قبل الغزو ليست كما بعده، والعالم لن يأتمن جانب روسيا بعد الغزو، وسيكون التعامل الحذر ومحاولات الاضعاف والاستهداف سياسة غربية مستمرة تجاه روسيا.