التخلف؛ حرفيا، هو السمة العامة لمجتمعات وتجمعات واجتماعات وسائل التواصل الاجتماعي، وحين يتكاثر المتخلفون، فلا تتوقع أن تجد حقيقة أو موضوعا ذا قيمة تتبعه جحافل المتابعين الافتراضيين.. فعلا هو زمن التفاهة وأهلها.
يجري حديث بذات العبارات الاتهامية والتخوينية، وذات المصطلحات، يتلوه على مسامع «الجحافل» الرواة أنفسهم، وهذه المرة يتحدثون عن الديبلوماسية الأردنية، بعد أن أنهوا كل المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعقائدية، فتتفتق بساطتهم وسطحيتهم وتخلفهم عن تحليلات سياسية، للديبلوماسية الأردنية التي باتت معروفة في كل العالم، أكثر مما يسمع ويعرف عنها مثل هؤلاء «السيّاح»، الذين ولدوا وعاشوا في الأردن، لكنهم يثبتون يوما بعد يوم أن وطنهم افتراضي، وهوياتهم الثقافية والمعرفية هي «اللوثة» التي تتدحرج على صفحات التواصل الاجتماعي، وتتجمع عليها متابعات الهابطين.
تركيا دولة صديقة للأردن، وتتبادل مع الأردن علاقات ديبلوماسية كاملة وقديمة، والرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، صديق للأردن، والعلاقة التي تربط الدول تحكمها بروتوكولات وقواعد، هي بحد ذاتها علم، وفن سياسي متحضر راق، لن يفهمه الصغار مطلقا، مهما حاولوا، وإن فهموه فكثير منهم لن يجيده حتى على المستوى الشخصي..
زيارة رئاسية تركية، كان من المقرر أن يقوم بها الرئيس التركي للمملكة في هذا الأسبوع، «ربما كانت مقررة اليوم الثلاثاء»، حسب خبر أوردته وكالة أنباء تركية قبل أيام، وما لبثت أن نفته، بخبر حول تأجيل تلك الزيارة، ثم طالعتنا أنباء عن سفر جلالة الملك الى الخارج، في رحلة علاجية نتيجة لعارض صحي تعرض له جلالة الملك «عافاه الله»، وهذه أخبار تكفي لفهم سبب تأجيل الزيارة، فهي لمن لا يعلم زيارة على مستوى رفيع، تتطلب أن يكون أكبر مسؤول في المملكة، وهو جلالة الملك، باعتباره المضيف للزعيم التركي، أن يكون على رأس مستقبلي الرئيس التركي، وهذا بروتوكول لا يحتاج شرحا، فهو يحدث حول العالم كل ساعة او ربع ساعة، فهي ليست زيارة لتوقيع اتفاقية سلام ولا إعلان حرب، ولا هي على خلفية أزمة ديبلوماسية أو كارثة إنسانية، زيارة عادية ولا أحد تحدث شيئا عن أغراضها أو أهميتها، فمن الطبيعي أن يتم إرجاؤها إلى موعد آخر حين يتعذر على المضيف استقبال الضيف.
استقبل الملوك الأردنيين مسؤولين دوليين ربما لا يطيقون سماع أسمائهم على المستوى الشخصي، وكذلك قام الملوك الأردنيون بزيارة شخصيات لزعماء لا يحبونهم ولا يطيقونهم على الصعيد الشخصي، لكن تم استقبالهم او زيارتهم، وهذه زيارات ديبلوماسية سياسية تخدم قضايا وملفات متعلقة ببلدان هؤلاء الزعماء والأردن، فعملية السلام وما جرى حولها من اتفاقيات مشتركة وبرعايات دولية وتحت مظلة الأمم المتحدة، هي من أصعب المواقف على الملوك الهاشميين، ويمكنني القول جزما بأنه لا يوجد مسؤول أردني يرحب فعلا أو يرتاح للتعامل مع المسؤولين الإسرائليين مثلا، لكن الاتفاقات الدولية تلزمهم بالتعامل، لا سيما حين تكون هناك قضايا مصيرية عالقة او تحتاج توافقات بين الأردن واسرائيل.. والقضايا كثيرة كما نعلم، ومع ذلك فالتعامل يجري والزيارات المتبادلة تتم، فهل زيارة أردوغان للأردن أو زيارة جلالة الملك لتركيا يمكن تشبيهها بزيارات مسؤولين اسرائليين؟!.. وكلها تجري والأردن وغيره ملتزم بها، ولم يُسجّل على الأردن مواقف ديبلوماسية متطرفة أو مزاجية في أدائه الديبلوماسي لا سيما على صعيد التمثيل الرسمي رفيع المستوى سواء أكان ملكيا أو حكوميا.
موضوع الزيارة وتأجيلها أقل من عادي، ولا يتطلب حديثا من قبل الرؤوس الملآ والموزونة، أما عند الصغار والمصابون بلوثة العالم الافتراضي السطحي، فهو موضوع عظيم حسب تفاهة عالم السوشال ميديا، يشبه في عظمته وأهميته «اللوك» الجديد لقطة من قطط النت، حيث تمور الصفحات بلايكات ومتابعات ومشاهدات تتجاوز عدد الحجيج في بيت الله الحرام..
يا حرام كيف يهوي الإنسان فيصبح «أسفل سافلين»، وكيف يتفاعل المجاملون والسطحيون فيصبحوا بلا عقل ولا موقف ولا أخلاق، وينغمسون أكثر في ظلمات السفالة وأهلها.