الدكتور المهندس أحمد الحسبان - نحن البشر؛ لا نقتنع بضرورة عيش الحاضر ولحظاته مرّها وحلوها في وقتها؛ ويكتنفنا الفضول دوماً لمعرفة المستقبل، ناهيك عن التغني بالماضي الجميل أحياناً، وهذه غريزة بشرية فضولية لمعرفة كل ما هو آتٍ قبل أوانه، والتحسر على ما فات بعد مضي أوانه، وبما أنني منهم، دفعني الفضول لمعرفة كيفية خروج يأجوج ومأجوج؟ من هم؟ وكم عددهم؟ وأين هم الآن؟ وكيف ستكون نهاية البشرية؟ ولا سيما أن خروجهم ليس خرافة مكذوبة، بل حقيقة وردت بالقرأن الكريم، وكذلك باليهودية والنصرانية، وبنفس الاسمين، حيث الاسمين أعجميين لا اشتقاق عربي لهما.
سأحاول أن أبحث في السؤال الاول فقط، فباقي الاسئلة عن نسبهم وعددهم واشكالهم واماكن تواجدهم قد بحث فيها كثير، ومنهم مؤخرا الباحث الاردني عبدالله شربجي في كتابه (رحلة ذو القرنين الى المشرق-٢٠١٧)، وقد لخص هذا الكتاب المهم الكاتب الصحفي مسعود الزاهد في مقال له في العربية نت عام ٢٠١٧ محدثة عام ٢٠٢٠ الرابط ادناه، وتناول فيها بعجالة اهم نتائج البحث الموثقة من مراجع علمية (وليست دينية فقط) كثيرة ودقيقة، بعضها خرائط قديمة وأخرى اليكترونية حديثة من صور الاقمار الصناعيه مستندة على اجماع ثقات الروايات، ومحاولات المسلمين الاوائل في البحث عنهم أيام الخليفة العباسي الواثق بالله في القرن السابع الميلادي، وتبين الدراسة مكان السد الذي بناه ذو القرنين بين جبلين يقعان غربي قيرقيزستان وشرقي اوزبكستان والذي يحجز هؤلاء من الخروج، ومكان العين الحمئة (الدافئة) التي لا تتجمد على مدار العام رغم بلوغ درجات الحرارة هناك ٢٥ درجة تحت الصفر، وصورتها من الجو كالعين البشرية كما استند الكاتب، وهي ما تسمى الان بحيرة (ايسيك كول)، كما تناول اصل التسمية وأصل هؤلاء القوم على انهم بشر عاديون وليس غير ذلك، عراض الوجوه صغار العيون ذوي شعر مائل للصفرة الذهبية، واثبت نسبهم ليافث ابن نوح، ابي الترك والاوزبك والايغور في منطقة اسيا الوسطى غربي الصين. وللمزيد من التفاصيل الاطلاع على المقال المختصر للناقل مسعود بالرابط ادناه عن هذا الكتاب والصور الجوية المرفقة له، والذي بذل فيه الباحث الاردني عبدالله جهدا كبيرا يعد الاقرب للصحيح في هذا العصر.
ما لم يبحثه الكاتب عبدالله ولم يورده الناقل مسعود، هو كيفية خروج يأجوج ومأجوج من ردمهم هذا عقليا، وليس طريقة خروجهم المعروفة نقلاً. فخروجهم هو احدى علامات الساعة الكبرى التسعة المسلمة نقلا، ففي هذه العلامة الثالثة المهمة، بعد حدوث علامتي المسيح الدجال وعودة سيدنا عيسى عليه السلام، ينهدم السد ويخرج يأجوج ومأجوج من كل حدب ينسلون، ويتزامن خروجهم مع مكوث سيدنا عيسى والبالغ سبع سنوات يدعو الناس فيها بالتوحيد الخالص، حسب الروايات المشهورة التي لن اخوض في صحتها، ولا في طريقة خروجهم المنقولة كذلك.
من المنقول ان عددهم ضخم جدا لدرجة انهم يشربون بحيرة طبريا العذبة المياه كاملة، وهي ذات الطول الاقصى ٢١ كم والعرض الاقصى ١٣ كم وطول سواحلها ٥٣ كم واقصى عمق فيها ٤٥ مترا، اي بمسطح مائي ١٦٥ كم مربع تقريبا، وسعة تخزينية ٤ مليار متر مكعب من المياه و١٠٠ مليون تقريبا، يشربونها كاملة اثناء مرورهم بها حتى لا يبقى لآخرهم شربة ماء منها، مما يدل على عدد ضخم من البشر يخرجون كالامواج، باتجاه فلسطين من حيث موقعهم المذكور، فطريقة الخروج مفصلة حسب اشهر الروايات واجماع الثقات، لكن ما أقصده بكيفية الخروج من الناحية النفسية ومدى تقبل العقل البشري لهكذا خروج لاناس لا نستطيع تخيل عددهم ولا نراهم فعليا الان، فلا يلام الباحث عن عدم ذكره لذلك بما سأضيف في مقالي المصغر هذا، كأضافة لبحثه وليس كتناقض مع محتوياته.
فلنفترض جدلا ان خروجهم حقيقة مثبتة لا شك فيها، وطريقته معروفة نقلا لا خلاف يذكر عليها، على الارجح متشابهة في معظم روايات النقل، تبدأ بانهدام السد بأمر الله، والخروج كأمواج بشرية متلاطمة كأمواج البحر، ومرورا ببحيرة طبريا باتجاه فلسطين وما يرافق ذلك من قتل وتدمير للحرث والنسل، لكن العقل البشري المحدود قد يشكك في كيفية الخروج ومدى تقبل حدوثه، وكيف سيهدم الردم او السد الذي يختبئون وراءه بين جبلين منذ الاف السنين، لا بل كيف يعيشون حاليا وراء هذا السد، بلا ماء ولا هواء ولا غذاء، وكيف يصل عددهم لهذا الحد الضخم، يشربون ماء بحيرة ذات الأربع مليار متر مكعب ونيف، فلو شرب كل واحد منهم لترا من الماء فقط، فمعنى ذلك ان المتر المكعب ذا الالف لتر يكفي لالف شخص منهم، اذن يقدر عددهم تقريبا ٤٠٠٠ مليار شخص، وهو عدد ضخم جدا مقارنة بعدد سكان العالم حاليا والبالغ ٧.٧ مليار فقط، ويتوقع ان يصل الى ٩ مليار عام ٢٠٥٠، والى ١١ مليار عام ٢١٠٠ موزعين على رقعة اليابسة في ست قارات واسعة، فكيف يعقل ان يتواجد ٤٠٠٠ مليار شخص خلف سد صغير نسبيا بين جبلين شرقي اوزبكستان وغربي فيرقيزستان حاليا؟ أمر لا يستوعبه عقل بشر ضمن المعطيات المنقولة عن عددهم ومكانهم - حسب ما وردت موثقة - على الارجح - بهذا الكتاب او بغيره.
الموضوع يحتاج لنوع من التخيل المستقبلي الفضولي، أو التخيل العلمي اللامنطقي، فمن ناحية اولى، لا أحد يعلم اين سيدنا عيسى الآن سوى ان الله تعالى قد رفعه من الارض عندما شبه لهم وقت صلبه، ولا أحد يعلم كيفية نزوله وعودته، ولكن هذا قد يقبل تصديقا غيبيا مشابها لرحلتي الاسراء والمعراج لسيدنا محمد صلوات ربي وسلامه عليه كأمر خارق لنواميس الطبيعة، عاصرها المسلمون قبلنا وقت حدوثها آنذاك، وصدقوها بما اورده سيدنا محمد بمشاهداته التي وصفها هو بنفسه لهم، وعرفها ولم ينكرها كل من زار المسجد الاقصى منهم وقتها، حيث وصفه لهم بابا بابا كأنه أمامهم وهو لم يزره قط، فلا عجب من قدرة الله تعالى في صعود الرسولين او نزولهم من والى السموات العلى، لكن خروج يأجوج ومأجوج من خلف السد يبدو امرا أرضيا بحتا، فهم موجودون هناك بعددهم الضخم هذا حسب المنقول، ولا يوجد لهم صعود في السماء على ظهر براق ولا نزول كنزول عيسى عليه السلام لنسلم انه مسلمات حدثت وسيحدث مثلها، مع انه من باب اولى تصديق ما يحدث في الارض منطقيا على تصديق امور السماء التي نصدقها غيبيا وايمانيا- فلا شك في ذلك ابدا، ومع ذلك فمقارنة كهذه يؤخذ منها ان خروجهم من خلف سد او ردم صلب كهذا سيكون أسهل على الله تعالى من عروج في السماء لبشر واحد بليلة واحدة قاطعا الاف السنوات الضوئية، بمعنى ان كتلته ستتناهى للصفر حسب اينشتاين اذا سار بسرعة الضوء التي لن تكون كافية لايصاله لما وصل اليه منطقيا بعقلنا المحدود هذا، ولكن حتى هذه النظرية تبطل منطقيا لتفسير ما حدث في الاسراء والمعراج، وما سيحدث بنزول عيسى عليه السلام. وكل هذا بين الكاف والنون لرب عظيم خالق مدبر لخصائص الكون المتاحة للفهم بالعقل البشري المحدود. وهذا قد يكون مدخلا للاقتناع بأن الغيب الذي لا نراه ولكن نصدقه موجود، ومنه فوجود هؤلاء القومين يأجوج ومأجوج هو حقيقة غيبية ستكون يوما حقيقة مشاهدة مصدقة تماما كحادثتي الاسراء والمعراج، وحادثة نزول عيسى مستقبلا.
ومن ناحية ثانية، ما لا يحدث في سنين طويلة قد يحدث في دقيقة، او حتى بلحظة، فهناك احداث كونية جسام استطاع العلماء مؤخرا معرفتها بعد حدوثها بالاف السنوات، كالانفجار الكوني العظيم، وانتشار المجرات وامتدادها، وعمر الارض المقدر باربعة الاف سنة لم يحضروا منها سوى بضع عشرات السنوات، ولم تكن معروفة قبلا، وعلى سبيل المثال اذكر مما شاهدناه جميعا، كما شاهدته البشرية جمعاء، احداث كورونا المرعبة، وكيف توقف العالم اجمع عن العمل والتنقل خلالها، فيروس صغير بحجم النانو متر أوقف العالم اجمع، ومنعهم من ممارسة أبسط امور الحياة، بغض النظر عن اسباب انتشاره العالمي التي لم تعرف بعد، فخلال اقل من ٣ شهور، منذ شهر كانون الثاني ٢٠٢٠ الى شهر آذار من ذات العام، توقفت جميع اشكال الحياة في الارض وبشكل مرعب كما في الافلام جراء انتشار هذا الفيروس القاتل، والان بعد انتهاء هذه الكارثة تقريبا، ومع حلول عام ٢٠٢٢، وبعد عامين ونيف من بدايتها، مات ما حصيلته اكثر من ٦ مليون شخص، واصيب ٥٠٠ مليون آخرين تقريبا، اي نصف مليار انسان، اذن قد يكون ليس غريبا وقتها تصديق ان يخرج يأجوج ومأجوج خلال فترة ظهور عيسى عليه السلام ذات السبع سنوات بذات المنطق الذي قبلناه وتعايشنا معه في الكورونا، وقد يكون تكاثرهم بذات طريقة تكاثر فيروس الكورونا او ما يشبهها، ولا سيما ان الخلاص منهم، كما اوردت الروايات، سيكون خلال ليلة واحدة فقط بتسليط الله تعالى دودة النغف على رقابهم، فتنهي وجودهم وتنتشر جثثهم في ارض فلسطين الى ان يبعث الله مطرا يجرفها للبحر - حسب الروايات، وهذان المطر والدود سيكونان بدعوة من سيدنا عيسى عليهم بعد أن رآهم يعيثون في الارض فسادا بالحرث والنسل، و تراكم جثثهم بعد موتهم. لا أجزم ان هذا الطرح سيكون واقعيا الان، لكن ما شاهدناه بجائحة الكورونا سيقرب للاذهان ان الامور قد تكون ممكنة في هذا العالم الصغير، الذي اجتاحه فيروس صغير كهذا وكأنه قرية نائية انتشر فيها خبر سئ بسرعة البرق. فما قبلناه بالكورونا مع استبعاد احتمالية حدوثه قبلها، قد يقرب للاذهان ورود احتمالية قبول هذا الخروج البشري الضخم بهذه الطريقة، ومن ثم انتهاء وجودهم بالامطار، كما انتهت الكورونا بحرب روسيا واوكرانيا بين ليلة وضحاها، فالتباين بالتغيير لاقى قبولا عقليا بشريا امكن استيعابه - او على الاقل مروره السلس - على سكان العالم اجمع بلا قول كيف ولماذا!! على الاقل ستذكره الاجيال القادمة كجزء من تاريخ موثق الحدوث، يبنون عليه واقعية حدوث ما هو اعظم منه.
ومن ناحية ثالثة، بعيدا عن الكورونا وتبعاتها، فالعالم يتغير بسرعة مذهلة وتسارع مضطرد، من كان يتوقع في بداية القرن التاسع عشر من اجدادنا السابقين ان يستطيع المرء من سكان الارض في اقصى الشرق مثلا ان يجري مكالمة مرئية او حتى صوتية مع آخر في أقصى الغرب، قد يكون ذلك وقتها ضربا من الجنون، ولكنه حاليا واقع ملموس، وكذلك، من كان يدري في القرن السادس الميلادي ان الارض كروية الشكل وليست مسطحة، عدا الايطالي قاليلو والذي قتل من اجل نظريته هذه، ويخلده الاوروبيون حاليا باطلاق اسمه على القمر الصناعي الاوروبي المماثل لل GPS، اذن العالم يتغير وتتغير معه ملكات التخيل البشري العلمي وتبعاته، فما كان وقتها خيالا غير مسلم به امسى الان واقعا معاشاً، اذن فقد يكون خروج ال ٤ الاف مليار شخص - تقديرا - آنذاك امرا مقبولا ومنطقيا، او حتى مقبولا قسريا، لا سيما انه معروفٌ عند كل اصحاب الديانات السماوية الثلاث حاليا، ومذكورا في كتبهم المنزلة اليهم، لكنه على الارجح سيكون حقيقة مشاهدة مرئية ملموسة وقتها، وقابلة للتصديق. اما كيف يعيشون الان، فلا تفسير مقنع لذلك حاليا يمكن طرحه بما يتخيله عقل بشر، ولا يوجد نقل يمكن روايته كذلك، لكنه يعتبر من المسلمات القادمة الحدوث، فهم - كما يفسر- يحاولون كل يوم خرق السد للخروج ولا يستطيعون، اذن هم هناك أحياء ويتكاثرون، بل ويعملون ويتحركون، ولكن بكيفية غير معروفة او على الاقل لا يمكن تخيلها بهذا الحجم تحت هذا الردم، وهم بشر مثلنا وليسوا اي شيء آخر، اي انهم ليسوا من الجن، ولا نوع من الفيروسات مثلا، وستكون بداية نهاية البشرية بعد خروجهم بزمن قليل يقدر بسنوات معدودة، ومعاشهم على الله قبل الخروج هو من المسلمات ايضا، فقد يكون مثل عيش الاجنة في بطون امهاتها بلا ماء ولا غذاء ولا هواء، ولكنها تتحرك وترفس بأقدامها يمنة ويسرة في تلك البطون، أو اي شيء آخر لا يمكن تخيله الآن لمحدودية طاقات العقل البشري عن تخيل حدوث امور مماثلة له، تماما كما حدث بثورة الاتصالات وغزو الكورونا، والله اعلم.
خلاصة القول، نهاية البشرية امر محتم مسلم به، وقيام الساعة من الغيبيات المسلم بها كذلك، والحياة الآخرة امر يعرفه الكافر قبل المؤمن وكليهما يعملان من اجله، بالنهاية ستصل البشرية الى تلك اللحظات النهائية ولكن باستيعاب مختلف، وسيعيشها البشريون - المختلفون فكريا عنا حاليا - لحظة بلحظة، وستكون واقعا ملموسا يشاهدونه امامهم بدون غرابة كهذه التي نعيش حاليا عندما نفكر بها، فالبرغم ان عقولنا لا تستوعبه حاليا، لكن اخواننا في الانسانية المستقبلية سيفعلون ذلك حتما، كما استوعبنا نحن تغير الاتصالات وتبعات الكورونا في العالم حاليا، ولم يستوعبه او حتى يتخيله أجدادنا قبل مئة عام من الآن. والله قادر على تفعيل استيعاب ذلك داخل عقولهم وخارجها، فهو مهندس الكون الاعظم، وصانعه بطريقة لا يمكن لعقول البشر المحدودة الآفاق - مرحلياً - ان تستوعبه الاّ وقت او بعد وقوع أحداثه، وهذا القصور البشري عن استيعابه مرة واحدة، هو الذي يجعل من فهم ماهية خروج يأجوج ومأجوج حاليا نوعا من الخيال المسلم به، ولكن التغير المستمر بمجريات الكون منذ نشأته ولغاية الان قد تعطي مؤشرا ان حدوث الخروج سيكون وقتها مقبولا لدى البشرية - اذ يجري اعدادهم لذلك ضمن منهجية الهية متناسقة. والله اعلم.
دكتور مهندس أحمد الحسبان