علينا أن نعترف بداية بأن كثيرا منّا تنقصه «الثقافة الاستهلاكية» .. فالتاجر دائما متهم بأنه وراء رفع الاسعار، والحكومة متّهمة بأنها لا تتخذ اجراءات صارمة للحد من ارتفاع الاسعار..وعلينا أن نعترف بأن النسبة الاكبر من المجتمع لا تتابع ولا تقرأ ، بل ولا تعرف معنى «تعطل سلاسل التوريد» ولا لماذا ارتفعت كلف الشحن ؟!..وتتساءل حتى اليوم ما علاقة «كورونا» وحتى «اوكرانيا» بارتفاع الاسعار ؟ وليس المطلوب أن يكون كل مواطن خبيرا اقتصاديا حتى يعرف تفاصيل ما يجري.
كذلك علينا أن نعترف بأن غالبية وسائل الاعلام تسلط الضوء على ارتفاعات الاسعار ولا تجتهد كثيرا بابراز المسببات، وحتى الحكومة حين تتحدث عن الارتفاعات العالمية يكون الصوت خافتا ويرتفع أكثر بتهديد أولئك الذين يرفعون الاسعار!!..لذلك سنبقى ندور في حلقة مفرغة.
علينا أن نعترف بأن موجة الاسعار ليست وليدة اللحظة وليست موسمية هذه المرّة كما درجت العادة في شهر رمضان المبارك من كل عام ، بل هي أزمة ستطول وتتفاقم ،فالعالم بات يدفع ثمنا باهضا لما جرى بداية من جائحة كورونا و الآن بما يجري في الحرب الروسية الاوكرانية والتي تسببت وستتسبب بمزيد من الفقر والمجاعة ونقص الطاقة والغذاء وارتفاع أسعار كل شيء ...هذه هي الحقيقة وهذا هو الواقع الذي علينا ان نواجهه جميعا.
دور التجّارواضح ومعروف ،وهناك ضوابط رقابية سواء من الغرف التجارية ذاتها أو من الجهات الحكومية المتعددة والمختلفة وقبل هذا وذاك من وازع ضميرالتاجرنفسه ..وقد خبرنا تاجرنا الاردني في الصعاب فكان على قدر المسؤولية وتجربتنا ابان جائحة كورونا ليست عنّا ببعيدة يوم أثبت التاجر الاردني قدرته ونجاحه في ادارة الازمة من حيث توفير السلع أولا وعدم انقطاعها ثم توفيرها بالسعر المعقول دون استغلال للظرف بل يذكركثير منّا بأن هناك من التجار من باعوا بسعر التكلفة وربما بخسارة أحيانا بوازع الواجب الوطني.
في كل أزمة نتحدث عن دور التاجر ودور الحكومة وننسى الركن الاساسي في المعادلة وهو «المستهلك» الذي يجب علينا- في الاعلام الرسمي وغير الرسمي والمنظمات الاهلية - بذل مجهود أكبر بتثقيفه وتوعيته في مثل هذه الظروف.
لقد كان من المتوقع أن نعي جميعا درس « كورونا « والتي تغيرت فيها كثير من عاداتنا الاستهلاكية ولم تكن كل المتغيرات سلبية بل كان منها الايجابي الذي عدنا عنه فور انقشاع غمة الجائحة ،وأعني هنا تحديدا الاسراف والبذخ غير المبرر في الصرف على كثيرمن الاصناف الاستهلاكية.
وللتدليل على ذلك أشير الى بعض المشاهدات أذكرها على سبيل المثال لا الحصر:
-ارتفعت أسعار الدجاج قبل أيام من الشهر الفضيل وهذا أمر اعتدنا عليه كل عام .. ورغم ذلك فرغت كثير من أرفف بيع الدجاج في معظم المولات بسبب الاقبال الكبير من المستهلكين وكأن هناك شعورا بانقطاع الدجاج خلال رمضان!
-كذلك الحال بالنسبة للخضار وتحديدا البندورة والخيار..فرغم الارتفاعات ورغم وضع أسقف سعرية من قبل وزارة الصناعة والتجارة فان معظم المحلات لم تلتزم بالتسعيرة وتجاوز سعر كيلو البندورة الدينارالواحد ورغم ذلك كان هناك اقبال غريب على شراء البندورة.
-كذلك الحال بالنسبة لمعظم السلع ومنها اللحوم ..و»الزيوت النباتية « التي زاد الاقبال على « تخزينها « قبل رمضان خشية انقطاعها!
ما أود الاشارة اليه تحديدا أن جائحة كورونا وحرب اوكرانيا كانتا كفيلتين بتغيير الانماط الاستهلاكية لنا كمستهلكين واعادة ترتيب أمورنا خصوصا لمواجهة القادم الأصعب وذلك من حيث:
-اعادة النظر في أولوياتنا الاستهلاكية والضرورات الشرائية بين الاساسيات والكماليات..» كمّا ونوعا «.
-مقاطعة السلع حين ترتفع أسعارها فهناك دائما بدائل والسوق تحكمه قواعد العرض والطلب.
-اعادة النظر بأولويات الانفاق لكثير من المظاهر الاجتماعية والمناسبات واختصارها قدرالامكان.
-الاقتداء بدول متقدمة دعت مواطنيها وشجّعتهم خلال « كورونا» للاعتماد على الذات من خلال «الحديقة المنزلية « وزراعة ما يمكن من ضرورات كل منزل،بل حتى أن(سنغافورا) أطلقت مبادرة زراعة «البلكونات « بما يمكن.
باختصار..نعم هناك دور كبير على الحكومة والتجار في قضية ارتفاع الاسعار لكن الدور الأكبر هذه المرّة على المستهلك لأن المشكلة اليوم مستمرة وليست عارضة وقد تطول الى أمد يعلمه الله.