حين كنا في المدرسة، ونلعب فطبول، كان هناك شخص يعتبر قطب الرحى للعبة كلها، إنه ليس الأكثر مهارة أو وسامة أو طولاً أو شراسةً، لا طيبة ولا بلطجةً، إنه ببساطة هو الذي يكون صاحب الطابة، فهو يمتلك حق اختيار فريقه، وهو طبعا الكابتن بدون ترشيح وبدون تصويت وبدون انتخابات، وهو من له الحق في اختيار من سيلعب بفريقه، له الحق في تحديد موقع كل لاعب، له الحق في تحديد موعد انطلاقة اللعبة، كيف لا وهو أصلا يظل متمسكاً في الطابة تحت إبطه إلى أن يقرر وضعها على أرض الملعب.
كان صاحب الطابة، والطابة بالمناسبة رديئة الصنع وربما تكون « طريّة» أي غير ممتلئة بالهواء، لكن الأساس في الموضوع أن هناك طابة، وهناك صاحب الطابة.
ما أن يعلن صاحب الطابة بدء اللعبة، حتى يبدأ بالصراخ حيثما اتجهت الطابة طالباً من اللاعبين أن يوصلوها له، وفي حال لم يتمكن من السيطرة عليها فإنه يصب غضبه وشتائمه على اللاعب الذي نقلها إليه، طبعا صاحب الطابة لا موقع محدد له، فهو هجوم حتى وإن كان في منطقة الدفاع، وكل تفكير اللاعبين من فريقه أن يتم تمرير الطابة إلى الكابتن صاحب الطابة.
يحدث أن يقوم أحد لاعبي الفريق الخصم بالاشتباك خطأً مع صاحب الطابة فيقع أرضاً، هنا نكون بين احتمالين لا ثالث لهما، إما أن يحمل طابته وينسحب من الملعب، وإما يعتدي بالضرب على اللاعب الخصم، مع ضربة جزاء، طبعا ضربة الجزاء ليس لها إلا صاحب الطابة، صاحب اللعبة، صاحب الملعب، صاحب اللعيبة.
ومن أجل استمرار اللعبة، يرضخ الجميع من الفريقين لرغبات ومزاج أخونا صاحب الطابة، فهو أيضا يستطيع طرد اللاعب حتى من الفريق الخصم، وتبدأ محاولات إقناع اللاعب بالخروج كي تستمر اللعبة.
ويحدث أن الكابتن هكذا فجأة يمسك الطابة ويخرج من الملعب دون أي سبب مفهوم، لتبدأ حملة من الاسترضاء وصولا إلى الاستجداء، ويقوم بعضهم بالتوسل أو بتذكير الكابتن بكل الماضي الجميل بينهم، أو بتعهد له أن يتم تغشيشه في الامتحان القادم، إلى أن يعدل من مزاجه ويقرر العودة للعبة وربما يكون من خلال شروط فرضها عليهم ورضخوا لها.
في معظم الحالات كانت النتيجة فوز فريق صاحب الطابة، وفي حال تمادي الفريق الخصم بحصوله على الفوز، فهذه كارثة تنذر بحرمان لاعبيه من اللعب بالطابة في المرات القادمة.
هكذا كانت تجري اللعبة، وهكذا كان خط سيرها، ما بين لاعبين لا حول لهم ولا طول، يعرفون نتيجة المباراة قبل أن تبدأ، ويقبلون بالنتيجة المسبقة، لعبة مخططة جيداً بما يكفي لتمثيل دور اللاعب فيما الحقيقة كل الحقيقة أن الجموع ليست سوى كومبارس يؤدي دورا واحداً ومحدداً بما يرضي هوى ومزاج صاحب الطابة.
يحدث أحياناً أن يتوافر أكثر من طابة وبالتالي أكثر من صاحب طابة ومن كابتن، هنا تتغير المعادلات قليلا، هنا يتفق أصحاب الطابات على طريقة اللعب واللاعبين، وعلى مدة اللعب لكل طابة، ويوافقون على النتيجة التي ترضيهما، وفي الغالي تكون النتيجة التعادل السلبي أو الإيجابي.
وتمضي الحياة في اللعب الذي معروفة نتائجه سلفاً، ويواصل صاحب الطابة فرض رغباته ومزاجه، ويسعى الجميع ليكونوا ممثلين على خشبة مسرح الطابة.