حسن محمد الزبن - عندما تتشابك القضايا الوطنية، وتتلعثم أدوات القدرة والكفاءة لدى الحكومات وانحرافها عن التوجهات المكلفة بها، وتفتقد بوصلة الوصول لتحقيق الأهداف، ويربكها غمز ولمز الشارع، ومراكز الشد العكسي، تأتي مقالات كتاب الأعمدة لتأخذ وجه النصح السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وتضع تصورات ومقاربات تختلف في طريقة عرضها من كاتب لآخر، وحسب قراءته ومنحنياته الفكرية والسياسية، ومصادره ومراجعه التي أشبع بها، وولدت له قناعات ورؤى، جعلته يطرح أفكاره من باب المساهمة في الإشارة لمواطن الخلل الذي يتململ منه عامة الناس في الدولة، وهي مؤشرات توظف رؤية وخبرة صاحبها، ووضع الاصبع على الجرح، وتعتبر رسائل إلى الملك والسلطتين التنفيذية والتشريعية، وتؤخذ على أنها آراء تقارب بين الملك صاحب السلطة المطلقة والقرار، وبين الشعب وهو مصدر السلطات الحقيقي، ويمكن الاستشفاف من هذه الآراء، والأخذ بما يفيد الصالح العام، وعرضها على من يمتلكون خبرات وتقنيات الإدارة والسياسة من رجال حول الملك، وتمريرها للجهة المؤهلة، والمنوط بها التطبيق ضمن آليات تتوافق مع الدستور والقانون، فتكون فاتحة لنهج جديد نحو بوادر تأسيس تصور سياسي، لمعالجة مسار معين، أو أحداث طارئة ومستجدة في الدولة.
وإذا كانت "البيروقراطية" امتدت وتنامت، فالتوجه نحو سلطة القانون والاحتكام لها، يعيد التوازن لطبيعة الدولة ويحدد علاقتها بالمجتمع، وبما أن نهج الحرية والعدالة والمساواة، هو نهج ملكي، ويعززه الدستور والقانون، فإن هذا المبدأ يخلق وعاء فكري حاضن لأقلام كتاب مؤثرين في الوعي الاجتماعي، يساندهم الوعظ والإرشاد وبطانة صالحة من رجال الدين حول الملك، ونخب سياسية معروفة، منهم من هو في موقع المسؤولية في العمل العام، ومنهم من خرج من موقعه، لكنه ليس جامحا، بل بقي على مروءته وازنا وحصيفا، ومصلحة الدولة والوطن بالنسبة له فوق كل اعتبار، فيكتب رأيه أو يدليه انطلاقا من عقيدة المحب والمنتمي، دون قمع لأدوار الآخرين، ودون انحياز لطرف على حساب طرف آخر، وفي ذلك انحياز فقط للوطن، والاختلاف السياسي أو الاختلاف في الرأي نحو الهم الوطني، يمثل تقارب نحو المصالح الوطنية، ولا ينزاح عن الثوابت، أو يتنكر لها، وليس تكريس لشخصنة، أو احتكار نفوذ وترسيخه.
لا ننكر أننا نتوجه نحو مسار تنوع أيدولوجيات منذ انطلاقتنا نحو التحديث والإصلاح في المنظومة السياسية، وأن هناك تعددية مطلوبة، تتشكل بأطياف مختلفة، لكنها في النهاية لها رؤى ورسالة وبرامج تحتكم للدستور، وقانون الأحزاب الجديد، ولكن في النهاية سيصل أعضاؤها لمراكز قيادية، وبالذات في إدارة الولاية العامة، ومنهم من سيمكث تحت قبة البرلمان ممثلا لقاعدته الانتخابية، ما يهمنا أن هذا التنوع أن يكون بمستوى أهمية قيمة التشاركية في صناعة الوجه الجديد للعمل العام في الدولة، من خلال التنوع الحزبي؛ فيقف الجميع أمام أي تداعيات داخلية أو خارجية تستهدف مؤسسة العرش أو الوطن.
نحن بهذا نخرج من دائرة التقاليد الحزبية وعملها السياسي، التي كان جلها مثار جدل، لغياب حاكميتها، وغلبة ضعفها، وعدم قدرتها على التأثير لدى الأغلبية الصامتة، وعدم تفاعلها وابداء رأيها فيما يخص القصور في التنمية ومشاريعها، وملفات الفساد والبطالة، وتراجع الخدمات وضعفها في القطاع العام، ويكون بمقدورنا أن نستوعب مناخ التعددية، والتنوع، والاختلاف، والعلاقة مع الدولة، والاندماج في نهجها وسياستها نحو البناء ونهضتها التي تعني كل مواطن.
حمى الله الأردن،،