تعجز اللغة، وتجف محابر أقلامنا، في بحثنا عن وصف يلخّص ما شاهدناه وتابعناه من خلال شاشات هواتفنا والتلفزيونية للأحداث التي شهدتها الأراضي الفلسطينية خلال الساعات الماضية، وتحديدا خلال يوم الجمعة ثاني «جمع» شهر رمضان المبارك من جرائم اسرائيلية لم تترك أداة حربها طفلا ولا سيدة ولا كهلا ولا شابا إلاّ واستهدفته، ورأينا في ذات المشهد نضالا لا يمكن وصف عظمته وثبات شعب يرى الحياة بمفهوم مختلف عن البشرية، يراها في الشهادة والدفاع عن وطنه ومقدساته وترابه الذي يرتوي يوميا من دماء الشهداء.
أكثر ما يمكننا الشعور به هو ضعفنا أمام العملاق الفلسطيني وقد وضع خلف ظهره هذه الدنيا ومتاعها، وزينتها، ولم يعد يرى سوى وطنه ومقدساته، ونور الشهادة الذي يسعى له جاهدا، في شهر رمضان المبارك الذي لم تراع قوات الاحتلال الإسرائيلي حرمته وهي تنكّل بالمصلين والمعتكفين ومن يقومون الليل في المسجد الأقصى، ظنّا منها أن الأمر سهلا لحدّ تركها تعبث في المقدسات دون مقاومة ونضال لم تتعلم من قوّته حتى اليوم وما تزال تختبئ خلف أسلحتها التي تعدّ الأضخم في العالم خوفا من الحجر الفلسطيني جاعلا منها في كلّ مرة مهزومة بحرفيّة المعنى، تجر أذيال خيبتها.
انتصار جديد يحقق الفلسطينيون والمقدسيون وهم يقفون في الميدان يدعهم ويساندهم الأردن بمواقف واضحة، ولغة تضع الأمور في نصابها الصحيح، حيث أكّد نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي وأمين عام اللجنة المركزية في منظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ، على ضرورة وقف كافة الإجراءات الإسرائيلية اللاشرعية والاستفزازية في المسجد الأقصى المُبارك/ الحرم القُدسيّ الشريف، واحترام حقوق المصلين ممارسة شعائرهم الدينية بحرية ودون قيود، فيما اعتبرا ما حدث خرقاً صارخاً لمسؤولية إسرائيل بصفتها القوة القائمة بالاحتلال، كما أدان وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الاسلامية الدكتور محمد الخلايلة الاعتداءات التي قامت بها سلطة الاحتلال على المسجد الأقصى المبارك- لحرم القدسي الشريف والمصلين الآمنين فيه.
وفي اطار ذات ردود الفعل الأردنية حذّر الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية وشؤون المغتربين السفير هيثم أبو الفول من مغبة التصعيد الخطير، وحمّل السلطات الإسرائيلية مسؤولية سلامة المسجد الأقصى المُبارك/ الحرم القُدسيّ الشريف والمصلين، وطالبها بضرورة التقيد بالتزاماتها كقوةٍ قائمةٍ بالاحتلال وفق القانون الدولي الإنساني.
لا تحتاج فلسطين اليوم زخرف القول، والبحث في الأدبيات عن مفردات تصف ما تابعنا ورأينا، ففي وصفه تعجز لغات العالم، فهو رمضان الشهر الفضيل الذي تقترف به قوات الاحتلال الإسرائيلي وفي خطوة غير مسبوقة وجريمة حقيقية بحق المعتكفين وانتهاك كبير بحق المسجد الأقصى، لأول مرة يقتحم الاحتلال المسجد القبلي ويدوس جنوده «ببساطيرهم» أماكن سجود المسملين، حيث كانوا في السابق كما تحدث زملاء لنا في فلسطين يطلقون القنابل الغازية والصوتية والرصاص داخل المسجد دون اقتحامه، لكنهم اليوم يدخلونه مدججين بالسلاح بهذا العدد الكبير ينكّلون بالمعتكفين ويعتقلنوهم جميعا وأمام عدسات كاميرات الاعلام العربي والدولي، عن أي كلمات نبحث لتصف هذه الجرائم، عن أي نضال نتحدث فقد انهى الفلسطينيون مخزون اللغة ومخزون النضال في كل بقاع المعمورة، فهم الصامدون المناضلون الثابتون المدافعون عن حقّ لهم لن يتخلوا عنه، نعم مستمرون كأنهم ألف مستحيل بل أكثر..
لا أنقل حدثا فكلنا شاهدنا ورأينا، لكن ما حدث لا يمكن وصفه إلاّ بنقله من جديد كل لحظة، فقد أصيب كل المصلين بقنابل الصوت والضرب والقذائف المطاطية المعدنية وهي لا تقل فتكا عن الرصاص الحي، لأنها أطلقت عن قصد على رؤوس ووجوه المصلين ومن مسافات قريبة، مئات الإصابات العشرات منها خطيرة، فيما تراوحت أعمار المصابين بين 15 عاما، إلى 79 عاما، هي ملحمة فلسطينية تعلن بها عن انتصار على الاحتلال لحق آت يوما ما.