تُصر إسرائيل على فرض منطق القوة، ولا تأبه كثيرا ببيانات الاستنكار التي تدين جرائمها في فلسطين، ويُدرك المستوطنون أن الحكومات الهشة في تل أبيب فرصتهم لفرض أجندتهم، وإرادتهم، فالمجتمع الإسرائيلي كل يوم يذهب للتشدد أكثر وأكثر، وحكوماتهم تُغازلهم، وتميل معهم، وهذا ما يحدث الآن، فرئيس الوزراء الإسرائيلي يسلك طريق تحصين حكومته، ومنعها من الانهيار بالخضوع، والصمت المُطبق على جرائم المستوطنين في القدس، والأقصى.
اقتحم المستوطنون المسجد الأقصى في رمضان تحت حجج، وذرائع كاذبة، وهم يعلمون يقينا أن هذا سيفجر الوضع في فلسطين من بحرها إلى نهرها، ويعلمون أن التصعيد في الأقصى يُظهر عجز السلطة الفلسطينية، ويكشف عورات النظام العربي الذي يُصالح إسرائيل، ويقدم التنازلات لها على حساب فلسطين، ومقدساتها.
مئات الجرحى في الأقصى نتيجة عربدة واقتحام جنود الاحتلال له، واعتداء على الصامدين، والمرابطين داخله أمام كاميرات التلفزة، وهذا المسلسل مرشح للاستمرار في ظل التهاون العربي، وسكوت المجتمع الدولي، وانشغالاته في الحرب على أوكرانيا.
الأردن لا يستطيع الصمت عن هذه الجرائم الإسرائيلية في القدس، فهي تُشكل تحديا لسلطته، ورعايته للمقدسات، وتتعارض مع التعهدات، والضمانات التي تصرفها الحكومة الإسرائيلية للقيادة الأردنية بعدم العبث في ملف المقدسات، أو المس بولاية الأردن عليها.
واقع الحال ان ما يحدث في القدس يوقد النار تحت الرماد، ويهيئ الوضع لاحتمالات انفجار قادم، ستدفع إسرائيل ثمنه أولا، ولن تكون التهدئة أمرا سهلا إذا ما اندلعت انتفاضة في الأراضي الفلسطينية، وقد تصل تداعياتها – وهو الأخطر- إلى فلسطينيي الداخل الذين يعتبرون الأقصى، والقدس خطا أحمر لا يجوز الاقتراب منه.
الحكومة الأردنية مُطالبة أن تُصعد في إجراءاتها ضد حكومة الاحتلال، فبيانات الشجب لا تكفي، والشارع ينتظر ما يُشفي غليله، فالدماء الفلسطينية لا يجوز أن تذهب هدرا، وهنا يأتي دور البرلمان، والنقابات، ومؤسسات المجتمع المدني، والأحزاب السياسية، ومطلوب تناغم في الأدوار، وعلى الحكومة أن توسع صدرها للاعتصامات والمظاهرات، وحتى لإجراءات تحت قبة البرلمان ضد سياسات الاحتلال الإسرائيلي، فنحن توأم فلسطين، وعيوننا دائما ترنو إلى القدس.
وعلى الجانب الآخر، فإن السلطة الفلسطينية عليها أن توقف فورا كل أشكال التنسيق الأمني كخطوة أولى مُلحة، على أن تتبعها خطوات جادة لرأب الصدع الفلسطيني، وأن يكون خيارا مطروحا على الطاولة حل السلطة، حتى لا تظل تُعطي شرعية للمحتل.