رغم كل التحديات التي يعاني منها الاقتصاد الوطني الا انه لا يمكن تصنيفه او تشبيهه باي حال من الاحوال باقتصاديات منهارة مثل لبنان على سبيل المثال لا الحصر، ولا يوجد ما يوحي بذلك في الأفق، والحديث عن افلاس او انهيار كما يصوره البعض امر لا يستند الى حقائق موضوعية او ارقام اقتصادية حقيقية.
التحديات ليست جديدة على الاقتصاد الوطني ، ولم يسبق للاردن ان مر بفترة ازدهار دون وجود اي تحديات سواء اكانت داخلية أم خارجية، فالمملكة دائما كانت محطة لتلاقي ازمات الاقليم على الدوام، ومع كل ازمة يخرج الاردن بسلام ويسير للامام عكس ما كان متوقعا له.
الاقتصاد الوطني بخير، وهذا الكلام ليس من باب تجميل الصورة، لكن الارقام تتحدث بذلك بكل شفافية، والحديث عن افلاس قريب امر بعيد عن الواقع، فالوصول الى الافلاس مرحلة طويلة لا تقع بين ليلة وضحاها، بل هناك محطات تدلل على تلك النقطة السلبية .
قبل الافلاس هناك مؤشرات يجب ان تتحقق في الاقتصاد الوطني ومراحل تدلل على اتجاه سلبي في الاقتصاد، اولى تلك المؤشرات هو احتياطات المملكة من العملات الصعبة والتي تناهز اليوم ال17 مليار دولار، منها فقط مليار دولار فقط ودائع سيادية تعود لدول اعلان مكة، والباقي ملك خالص للبنك المركزي ، وهذه الاحتياطات تغطي مستوردات المملكة لاكثر من تسعة شعور ، وهي من اعلى النسب النقدية الامنة في المنطقة .
اتجاهات الصادرات مؤشر اخر على حركة الاقتصاد ، والتقديرات الاولية تشير الى ان حركة الصادرات في نمو متزايد من عام لاخر ، ومتوقع ان تنمو العام الحالي باكثر من 6% على اقل تقدير ، وهذه تشكل وحدها ما يقارب 30% من هيكل ومصدر احتياطات المملكة من العملات الصعبة.
حوالات المغتربين التي تناهز ال 3.8 مليار دولار، وهي تحويلات مهمة ورئيسية ومستقرة منذ سنوات لم تتأثر بالشكل المتوقع نتيجة التحديات والاحداث الاخيرة خاصة في ظل كورونا وتداعياتها الاقتصادية السلبية على الاقتصاد العالمي.
التدفقات السياحية التي تقترب من خمسة مليارات دولار وباستثناء فترة الاغلاقات سنة 2020 حافظت التدفقات السياحية على وتيرتها في النمو الايجابي وهي بازدياد مضطرد خاصة مع تراجع حدة الجائحة.
قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها الخارجية والداخلية على حد سواء، وفي هذا المجال لا بد لنا من التذكير بأن الاردن اوفى بكل التزاماته دون اي تأخر حتى في ظل ذروة الكورونا، وقام بتسديد كافة المستحقات عليه قبل وقتها مثلما حدث مع استحقاق سندات يورو بوند بقيمة مليار دولار، اضافة الى وفائه بدفع كافة متطلباته المالية الدورية دون أي تاخير خاصة فيما يتعلق برواتب العاملين في القطاع العام.
الاهم من ذلك كله هو علاقة الاردن بالمانحين والمؤسسات الدولية، فتدفق المساعدات للمملكة يزداد من عام لاخر، اخرها قيام الولايات المتحدة بزيادة مساعداتها للاردن للسنوات الخمس المقبلة، ناهيك عن ان الاردن يرتبط بعلاقات قوية مع المؤسسات الدولية وعلى راسها صندوق النقد الدولي الذي يرتبط الاردن معه الان باتفاق ائتماني لاربع سنوات قادمة، وتم مراجعة اولى وثانية للبرنامج باشادة كبيرة من بعثة الصندوق وتم صرف المساعدات المتفق عليها في وقتها.
المؤشرات السابقة اذا تم رصد فيها اي تراجع على مدى سنوات عدة بشكل متواصل قد يؤشر ذلك إلى اوضاع صعبة في ذلك البلد كما حصل لدى بعض دول الجوار، اما في الحالة الاردنية فالامر مختلف كثيرا ولا يوجد اي مقارنة او تشبيه ، فالاقتصاد بخير ويسير بمعدلات نمو متباطئة (2.7%) مقدرة لسنة 2022، ولم يحقق معدلات نمو سالبة الا في عام 2020 نتيجة الوباء والتي حقق فيها الاقتصاد نموا سالبا بنسبة 1.6% ، ليعود بعد ذلك الى مسلسل النمو الايجابي لكن بشكل متباطئ، وهنا ايضا الفرق.
معضلة الاقتصاد هي ان النمو المتحقق لا يتناسب مع حجم التحديات التي تحيط به خاصة فيما يتعلق باعداد الخريجين والقدرة على خلق فرص عمل جديدة، وهذه مشكلة ازدادت مع حدة الكورونا، وهي مشاكل مشابه لما يحدث في اغلب اقتصاديات دول العالم بشكل نسبي، وهذا امر لا يمكن ان يتحقق الا من خلال العمل على زيادة النمو بنسب اكبر مما هو عليه الان، اما الافلاس والانهيار فله مسبباته وموجباته التي هي بعيدة كل البعد عن حالة الاقتصاد الوطني.