مهدي مبارك عبد الله - يوم الخميس الماضي 14 / 4 / 2022 أقدم الإرهابي المتطرف زعيم حزب الخط المتشدد الدنماركي الأصل السويدي الجنسية المحامي الارعن ( راسموس بالودان ) مواليد عام 1982 على إحراق نسخة من القرآن الكريم في مدينة لينشوبينغ جنوبي السويد تحت حماية قوات الشرطة حيث جاء برفقة عناصرها إلى منطقة يقطن فيها مسلمون وأشعل النار بالقرآن امامهم في بث حي ومباشر
دون أن يعير اهتماما بالتنديدات الصادرة عن حشد قدر عدده بـ 200 فرد وهم يناشدون رجال الشرطة بعدم السماح له بتنفيذ استفزازه إلا أن الشرطة لم تستجب لندائهم ( قطع الله لسانه وحرق يديه وكسر رجليه )
لا زلنا حتى الساعة لا نعلم ما هو سر حراسة الشرطة في معظم دول أوروبا لهؤلاء المتطرفين في تجاوزاتهم وهل هي رسالة بأن هذه الدول ترضى بهذه الأفعال الشنيعة التي توقد نار الكراهية والعداء بين شعوب الأرض المختلفة رغم ان المسلمين في السويد وغيرها يتعرضون للاضطهاد والتمييز ومحاولات الإقصاء وإثارة الهلع والخوف والكراهية من قبل التيارات اليمينية المتطرفة من غير أي سبب سوى تزايد عددهم وتنامي دورهم وتأثيرهم
المجرم العنصري بالودان الذي منح الجنسية السويدية عام 2020 ويعرف عنه عداؤه المتشدد للإسلام وسبق له أن دعا إلى خلو الدانمارك من المسلمين وترحيلهم منها للحفاظ على المجتمع العرقي الخالص لا زال يواصل وبشكل متكرر استفزازه السلطات السويدية والجالية الإسلامية حيث كان وراء حرق نسخة من المصحف في مدينة مالمو السويدية نهاية آب عام 2020
ما أدى إلى اضطرابات عنيفة في المدينة بعدما أقدم عدد من الشبان السويديين التابعين له على إحراق نسخة من القرآن الكريم في ساحة عامة أمام المركز الإسلامي في منطقة روزنغورد ذات الغالبية المسلمة الساحقة بالعاصمة ستوكهولم المكونة من عرب وأتراك وأفغان وصومال وغيرهم وقد أعقب ذلك إحراق نسخة أخرى في منطقة رينكي وهو ما أثار غضب وحفيظة الجاليات المسلمة ودفعهم للخروج في تظاهرات احتجاجية عنيفة في عموم البلاد
هذا العمل الاستفزازي المشين والخارج عن قواعد القانون والضارب بعرض الحائط كل هيبة وقرارات للدولة السويدية لم يقابل برد فعل على الصعيد الرسمي رغم انه يعتبر إرهاب بربري متوحش بكل المقاييس حتى إن كثير من المنظمات والجمعيات الإسلامية تسألت عن سبب غياب الوجود الرسمي في كل ما حدث
الغريب ان المدعية العامة السويدية صوفيا سيرين في حينها قررت إغلاق ملف التحقيق في قضية لأولي لحرق القران كون القانون السويدي لا يوجد فيه نص قانوني لتجريم حرق الكتب الدينية بشكل عام وليس من الممكن إثبات ارتكاب الجريمة وحرق المصحف في حد ذاته لا يعتبر انتهاك للقانون
هذا الفعل الآثم وغير المسؤول يمثل عنصرية بغيضة وسلوك إجرامي متطرف يتنزه عن ارتكابه كل ذوي العقول السليمة مهما بلغ حقدهم وحنقهم على الإسلام والمسلمين وان هذه الممارسات الاجرامية التي تخالف كافة الشرائع السماوية والأعراف والمواثيق الدولية تدعونا الى ضرورة المطالبة باحترام معتقدات الآخرين وعدم الاعتداء على مقدساتهم أو دور عباداتهم أو ممتلكاتهم وعدم استفزاز الناس فيما يتعلق بدياناتهم ومعتقداتهم والذي قد ينجم عنه مجازر عنصرية مروعة قد ترتكب بحق المسلمين بدون أي مبرر
اليمين المتطرف في السويد يسعى من خلال استغلاله الحرية التي تكفلها القوانين المحلية الى الاساءة المتكررة لكتاب الله واتباعه رغبة منه في العودة للواجهة مجدداً بعد أن فقد نسبة كبيرة من شعبيته مؤخراً وذلك عبر استفزاز واثارة مشاعر المسلمين واستدراجهم للخروج والتظاهر والقيام بأعمال الشغب وهو المخطط الذي كان المسلمون بالفعل ضحية له اكثر من مرة
حيث ارتفعت الأصوات التي تصف المسلمين بالهمجية والعنف وتوالت صور السيارات المحروقة ومواقف الباصات المدمرة والمرافق المتأذية لأحداث مزيد من التأثير في الرأي العام الغربي وتحريك إرادة المواطنين ويدفعهم لمعاداة المسلمين والتصويت في الانتخابات القادمة للتيارات اليمينية المتشددة والمعادية للأجانب بشكل عام والمسلمين خصوصًا وهم يعلمون جيدا ان ( التشدد الداعشي لا يمثل الإسلام وكذلك التشدد الإلحادي لا يمثل أوروبا )
المسلمون في السويد مطالبون اليوم من خلال المنظمات الإسلامية بالسعي الى صياغة مناسبة لمشروع قانون يتم اقتراحه يجرم الإساءة للمقدسات والأديان ومنها الإسلام إضافة الى العمل على تنظيم أنفسهم واختيار ممثلين لهم أمام السلطات يصطفون خلفهم لمواجهة مثل هذه التحديات وفق خطط مدروسة تحفظ وجودهم وتظهر صورتهم الحقيقية عبر تنظيم فعاليات يتم خلالها التعريف بالإسلام وقدسية القرآن لدى المسلمين بعيدا عن ردود الأفعال وهبات الغضب التي قد تسيئ إليهم أكثر مما تنفعهم
الحادثة الاليمة وعواقبها المحزنة تبرز الان أهمية وجود استراتيجيات وأهداف واضحة لدى الجمعيات والمنظمات الإسلامية التي تعد ممثلة للمسلمين في بلاد تغيب فيه قضايا الجالية الإسلامية عن المشهد الرسمي بأهمية حمايتهم والعمل الرسمي على تجريم معاداة عقيدتهم
الازدواجية في التعامل مع أتباع الأديان في بعض الدول الأوروبية لن تكون إلا سببا في ارتفاع وتيرة الاسلاموفوبيا وتصاعد حدة خطاب الكراهية بما يتنافى مع مبادئ احترام حرية وحقوق الآخرين ومعتقداتهم الذي تدعيه ستوكهلم وأن استمرار تلك الحوادث والاعتداءات تؤجج مشاعر الكراهية بما ينعكس سلبا على وحدة وأمن المجتمعات العالمية التي يسعى الجميع للحفاظ عليها فضلا عن ذلك يشكل أيضا ضربة قوية لثقافة العيش المشترك والقيم الأوروبية التي يتغنون بها كمبادئ وقواعد أخلاقية وفكرية عريقة وسامية
الجراءة الوقحة على دين الإسلام ليست بطولة ولا هي شرف عظيم وعليه فأنها تستدعي مرة أخرى ضرورة تواجد العلماء والمؤسسات والمراكز الإسلامية بشكل فاعل لمحاربة الخطاب المقيت القائم على كراهية الآخر بدون تفرقة بين دين وعرق وجنس والملاحقة القانونية لدى المحاكم السويدية بحق مرتكبي هذا العمل الشنيع
إضافة الى وجوب اتخاذ المزيد من التدابير والإجراءات التي تكفل حماية المسلمين ومنع أية اعتداءات يتعرضون لها وإلى عدم الخلط بين أفعال قلة منحرفة من المسلمين وتعاليم الدين الإسلامي ومنع تلك الأفعال البغيضة والضرب على يد مرتكبيها بكل قوة مع وضع الضمانات الكافية التي تكفل الحرية الكاملة للمجتمعات المسلمة في البلدان الأوروبية للممارسة معتقداتهم دون أدنى تهديد من الجماعات اليمينية المتطرفة
واقعة حرق المصحف الاخيرة بالسويد لم تكن الوحيدة وهنالك 6 جرائم مشابهة حدثت في السنوات الخمس الأخيرة في كل من الدنمارك واسبانيا وفرنسا وهولندا والنرويج وفي معظم الدول الأوروبية وأمريكا رغم أن الإسلام دين التسامح والرحمة يدعو دائما إلى العيش المشترك والحوار بين أتباع الأديان واستيعاب الاختلاف وتحييد أسباب الصراع وتحويل الاختلاف إلى ثراء معرفي وليس إلى عداء عنصري
هذه الجرائم المستنكرة التي تمارس تحت غطاء حرية الرأي والتعبير والحرية الشخصية وحرية القيام بالتظاهر تؤجج مشاعر الكراهية وتقوض أمن المجتمعات وتهدد الآمال التي يبعثها حوار الأديان والحضارات في مختلف ارجاء العالم
عدد المسلمون في السويد يقدر بنحو مليون من إجمالي عدد السكان البالغ حوالي 10 مليون نسمة أي أن المسلمين يمثلون نحو 10% من السكان ووصولهم لهذا البلد كان على مراحل متعددة أبرزها فترة ما بعد السبعينيات والتي سبقتها أعداد قليلة من المسلمين وبمرور الوقت ومع توالي النكبات والأزمات على كثير من البلدان المسلمة بدأت هجرات جديدة للمسلمين إلى السويد من البوسنة هرباً من الحرب أو من الصومال وأفغانستان خلال فترات عدم الاستقرار التي شهدتها هذه البلدان وغيرها
القوانين في السويد تجرم الإساءة لبعض المكونات بمن فيها ( الغجر واليهود ) باعتبارهم قوميات أو اعراق خالصة مغلقة على أهلها بينما هذه الحماية لا تشمل الإسلام باعتباره ديناً يعتنقه أناس من عرقيات وبلاد ولغات شتى وليس عرقية مغلقة على أصحابها
الإسلام الحنيف سيبقى ما بقيت الحياة دين السلام والصداقة واحترام حقوق الآخرين وهو لا يستحق هذه المعاملة الكريهة وكل مسلم يرى في وجدانه السليم أنه من الضروري الحفاظ على حرمة المقدسات الدينية وجميع الكتب المقدسة
بقي في الختام ان نقول ان جرائم المتطرفين في السويد وغيرها بالإساءة للمصحف الشريف عمل لا يتناسب مع أي تفسير من مفاهيم حرية التعبير وصيانة حقوق الآخرين ومعتقداتهم وإنه عمل مخالف للجهود الدولية التي تهدف الى مكافحة التطرف وهو بالمحصلة فعل مرفوض في جميع الديانات والأعراف والمواثيق البشرية
نسأل الله سبحانه وتعالى تحرير البشرية جمعاء من التحجر الفكري المطبق ومن التطرف العنصري المظلم لنشر الحقيقة والسلام والصداقة بين كافة امم وشعوب الارض انه ولي ذلك والقادر عليه
mahdimubarak@gmail.com