ارتكبت الحكومة خطأ اقتصاديا فادحا بتحملها دعما ماليا جديدا للمحروقات نتيجة قرارها بتثبيت الاسعار منذ بداية العام ما يزيد على الـ165 مليون دينار، وهذا سيكون على حساب عجز الموازنة والذي سيترجم مزيدا من المديونية.
مبررات الحكومة في تثبيت أسعار المحروقات هو قرار شعبوي بحت لحماية الأمن المعيشي للأردنيين، فارتفاع أسعار النفط العالمية بهذا النموّ الكبير منذ بداية العام دفع صانع القرار للأخذ بعين الاعتبار الابعاد الاقتصاديّة والاجتماعيّة والأمنية على الشّارع في حال عكس هذه الأسعار محليا.
أبعاد القرار الحكومي بتثبيت اسعار المحروقات امتد لشهر رمضان الفضيل، حيث بادرت الحكومة بالاستمرار في تطبيق قرار التثبيت دون تراجع تخفيفا على المواطن في هذا الشهر.
اذا استمرت الحكومة بذات العقلية في التعامل مع أسعار المحروقات فإن فترة الاعياد هي الاخرى تتطلب تثبيتا آخر لأن الأعباء الماليّة في الاعياد تتزايد على الأسر الأردنيّة.
حتى في الصيف خلال شهري ايار وحزيران، فهناك ضغوط ماليّة على المواطنين لأن جزءا منهم يريد أن يسافر ويتنزه ويدخل الاولاد في الاندية الصيفية وغيرها من النشاطات، وبالتالي لا بد من مساهمة الحكومة في دعم مثل هذه الانشطة الأسرية.
بعدها سيأتي عيد الاضحى في شهر تموز ومتطلباته الكبيرة مما يقضي ايضا توفير مخصصات للأسر لتلبية مطالب الأسر، وبعدها يكون الموسم الدراسي على الابواب وفيه ما فيه من ضغوطات ماليّة كبيرة على دخل العائلات، وبعدها ينزل موسم الشتاء وكلفة فاتورة التدفئة التي تستنزف جيوب الاردنيين في هذا الموسم.
كل الحالات السابقة لها مبررات مشروعة وضرورية لقيام الحكومة بتثبيت أسعار المحروقات، وهذا سيخدمها شعبويا الى حد ما، لكن الثمن سيكون باهظا جدا على الاقتصاد والخزينة والاجيال المستقبلية.
اذا بقيت عقلية الحكومة في التعاطي الشعبوي مع المبررات المعيشية للأردنيين بهذا الشكل فإن عجز الموازنة سيزيد عما هو موجود بحدود نصف مليار على أقل تقدير، واذا ما علمنا ان الحكومة تدعم القمح الذي تضاعفت اسعاره، فإن العجز المضاف للعجز المقدر سيكون بحدود المليار دينار لتضاف الى اجمالي العجز المجمع (2.3546) مليار دينار، وهذا يعني ان الدين الاجمالي ستصل نسبته الى حدود الـ118 % وهي نسب غير آمنة على الاطلاق لا بد من التوقف عليها.
استمرار الحكومة بهذا الامر له ابعاد اقتصادية خطيرة على الموازنة، ولا يمكن قبولها من المؤسسات الدولية والمانحين، فالأبعاد الاجتماعية والامنية لقرار التثبيت قد يكون مقبولا لمرة واحدة في العام، ونتيجة لظرف استثنائي طارئ، أما السير به لأغراض شعبوية غير مدروسة فإن الحكومة بهذا العمل تعيد الازمة الاقتصادية الى مربعها الاول والتي كانت عليه في نهاية 2012، حينها ستتوقف المنح والقروض عن الأردن بالشكل الميسر، وسترتفع درجات المخاطرة على قروضه السيادية، وستكون هناك شروط قاسية من المؤسسات الدولية والمانحين لاستئناف علاقاتهم الاقتصاديّة التمويلية بالمملكة، وهنا ستلجأ الحكومات الى القرار الأسرع بالنسبة لها وهو زيادة الرسوم والضرائب وغيرها من القرارات التي تمكن من جباية اموال لسد عجز الموازنة، وقتها سيتحمل الأردنيين كلف تلك القرارات وأعباءها، وسيتأثر أمنه المعيشي بشكل خطير لا يمكن التحرك بدعمه لنفاذ المساحة المالية الكافية لدي الحكومة لتوفير مخصصات للدعم.
الحكومة مطالبة اقتصاديا بالتوقف الفوري عن سياسة تثبيت اسعار المحروقات وحتى العبث بهيكل الضرائب ونسبها على السلع في الوقت الراهن، وعدم تكرار تجارب حكومات سابقة أعادت الاقتصاد لمربع الصفر بعد ان كانت قد قطعت شوطا في الإصلاحات المطلوبة من المؤسسات الدولية، والابتعاد عن الاستماع لمبررات شعبوية لن تنتهي طالما بقيت هناك آذان رسمية تصغي لها بعاطفة وخوف.