مهدي مبارك عبد الله - الشعب الفلسطيني المقاوم في كل يوم يؤكد على أنه خط الدفاع الأول عن ثالث الحرمين الشريفين وقبلة المسلمين الأولى برباطه وصموده وتضحياته مسطرا بذلك ملحمة بطولية افشلت مخططات الاحتلال الساعية لفرض التقسيم الزماني والمكاني عبر تكرار اقتحامات المستوطنين للأقصى والاعتداء على المصلين الآمنين يقصد بـ ( التقسيم الزماني والمكاني للمسجد جعله مكانا دينيا مشتركا للمسلمين واليهود )
ما يقوم به الاحتلال يعتبر إعلان حرب حقيقية على الشعب الفلسطيني ودعوة صريحة للصراعات الدينية في المنطقة وانتهاك صارخ لكل القوانين والأعراف الإنسانية وخرق فاضح لقرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقدس بما فيها قرارات مجلس الأمن التي تؤكد جميعها ضرورة الحفاظ على وضع المدينة المقدسة
الجماعات الدينية الصهيونية المتطرفة تطالب اليوم بتخصيص أوقات وأماكن لليهود للقيام بعبادتهم داخل حرم المسجد الأقصى وهو ما يعتبر محاولة متقدمة لتغيير الوضع التاريخي والقانوني القائم في المسجد بمساحته الكلية والبالغة 144 دونما باعتبارها مكان عبادة خالص للمسلمين وهو ما ساد في فترة الحكم العثماني ثم الانتداب البريطاني والحكم الأردني وصولا إلى بداية الاحتلال الإسرائيلي عام 1967والذي اقتصر الصلاة في المسجد الاقصى على المسلمين وحدهم فيما يمكن لغير المسلمين زيارته كسياح فقط وتكون المسؤولية فيه حصرا لدائرة الأوقاف الإسلامية التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية
الاحتلال الصهيوني يعمل منذ سنوات على تحقيق هذا التقسيم بشكل تدريجي من خلال سماحه للمستوطنين بتقديم تسهيلات ومرافقة وحماية من الشرطة الإسرائيلية لهم في اقتحامهم للمسجد الأقصى بصورة شبه يومية وعلى فترتين صباحية وبعد صلاة الظهر عبر باب المغاربة في الجدار الغربي حيث تغض قوات الاحتلال الطرف عنهم المستوطنين اثناء أداء الصلوات داخل المسجد وبما جعل أعداد المقتحمين تزداد سنويا إلى أن وصلت إلى أكثر من 18 ألف مستوطن في 2020 فيما يتوقع أن يكون العدد أكثر في الأعوام القليلة القادمة
المسجد الأقصى حق إسلامي وعروبي وفلسطيني خالصا وجزء من عقيدة الملسمين لا يقبل المشاركة ولا المساومة ولا التقسيم والوجود الإسرائيلي في الأقصى وجود احتلالي غاصب وهو باطل وبلا شرعية وكل ما بنى على باطل فهو باطل وستتحطم أحلام الاحتلال أمام صمود ورباط الفلسطينيين المتجذر في هذه الأرض المباركة
تمهيدا لتنفيذ المخطط الإجرامي بالتقسيم الزماني والمكاني للمسجد وللمرة الأولى قررت في 6 تشرين الأول 2021 محكمة الصلح الإسرائيلية في القدس المحتلة وبشكل استفزازي وخارج صلاحياتها واختصاصاتها بالسماح للمستوطنين اليهود بالصلاة في المسجد الأقصى وتدنيس حرمته وفرض تقاسمه على غرار ما جرى في الحرم الإبراهيمي في الخليل من خلال شرعنة طقوس تلمودية فيما يعرف بالصلاة الصامتة وإلقاء المحاضرات الدينية ولعب كرة القدم و القيام بأعمال الشغب والتشويش على المصلين وماذا بعد ذلك
وهو ما يؤكد تواطؤ القضاء الصهيوني في العدوان على الشعب الفلسطيني والمشاركة في تزوير الحقائق والوقائع رغم انه قرار منعدم الأثر القانوني حسب القانون الدولي الذي لا يعترف بسلطة القضاء الإسرائيلي على الأراضي المحتلة عام 1967 بما فيها القدس الشرقية
هذا القرار القضائي المرفوض الذي يمس شريعة المسلمين في كل بقاع الأرض ويستهتر بمشاعرهم ليكون مؤشر على المخططات المعلنة من قبل الجماعات الدينية الصهيونية المتطرفة التي تقول صراحة إنها تسعى لإقامة الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى حيث يتعاملون مع مرافق المسجد كافة على أنها ملك لهم (مثل مشارب المياه على سبيل المثال)
الممارسات الصهيونية المتواصلة تشكل نسف لكل الخطوط الحمر ومحاولة مفضوحة ليس للاعتداء على إحدى أهم مقدسات الفلسطينيين والعرب والمسلمين فحسب بل وكذلك لفرض الرواية الصهيونية التوراتية المبنية على الخرافات والأساطير والأكاذيب والتلفيقات ونزع الصفة الوطنية عن الأرض المقدسة ( الأقصى أسمى من أن يخضع لأي قرار قضائي وضعي لأنه مرتبط في بقرار إلهي رباني )
التساهل المريبٍ والصمتٍ العربي الرسمي الدائم والتغاضي الدولي المشبوه عن ما يجري في القدس جعل إسرائيل تثبت مفهومها الخاص للوضع القائم في المسجد وهذا ينذر بإمكانية إجراء أي تغييرات أخرى فيه في أي وقت والزعم أن هذا المنطق الجديد هو الوضع القائم في الأصل
ما يعول عليه الاحتلال لأجل إحداث أي تغيير واسع في الوضع القائم في المسجد الأقصى المبارك هو استمرار حالة الهدوء في الأراضي الفلسطينية حيث لا يقوى الاحتلال على إجراء أي تغييرات في حال حدوث صدامات كبرى أو حتى احتمالات لصدامات قوية في الأراضي المحتلة وهو ما كان عليه الأمر في أحداث اقتحامات 28 رمضان الماضي والذي كان درساً قاسياً حين كان الاحتلال يعتمد على مرور وقت طويل من الهدوء في المنطقة وهذا التفكير الصهيوني الخبيث يستدعي إبقاء الأراضي الفلسطينية في حالة اشتباك وتوتر دائم مع الاحتلال
بناءً على ذلك فإنه يمكن القول إنه في ظلال الأحداث الأخيرة في الأراضي الفلسطينية لا يتوقع أن تتمكن حكومة الاحتلال خلال الشهور القادمة من تحقيق حلمها في إنجاز تقسيم المسجد الأقصى على الأرض ولكن يبقى الاحتمال قائم بأن تحاول الجماعات الدينية المتطرفة أخذ الأمر بيدها لفرض الواقع في المسجد الأقصى والقيام باعتداءات قد تجر المنطقة إلى ما لا تحمد عقباه والاحتلال يتحمل المسؤولية الكاملة عن تداعيات تلك الإجراءات الخطيرة والمستفزّة
لذلك فإن الحل يبقى في إبعاد هذه الجماعات المتطرفة نهائياً عن المسجد من خلال الفعل الشعبي والمقومة الجماهيرية التي تضمن وقف أي تقدم لها في احداث اي تغيير على الوضع القائم في الأقصى كما يجب عدم التساهل في أي إجراءات جديد تتخذها وكذلك إبقاء الأرض غير مستقرة تحت أقدام الاحتلال ومستوطنيه وما عملية الهروب من سجن جلبوع والعمليات الجهادية الاخيرة إلا مثال على ما يمكن أن يبقي الاحتلال في حالة طوارئ وتأهب وقلق دائم
في هذه المسألة تحديدا على قادة الاحتلال أن يتذكروا جيداً أن القدس بمقدساتها وأحيائها السكنية وآثارها وموقعها المميز تمثل في الوجدان الفلسطيني عاصمة دولة فلسطين التي أشعلت نيران الانتفاضة الثانية وهي التي أطلقت صواريخ معركة سيف القدس ومن شأنها أيضاً أن تشعل حرباً جديدة يخوضها الشعب الفلسطيني بكل فئاته وفصائله وقواه وبكل الأساليب الممكنة التي يمكنه فيها من الدفاع عن أرضه وعاصمة دولته ليضع بذلك حدوداً للتغول الصهيوني المستمر لا يتجاوزها في المستقبل
كما يتوجب عل المجتمع الدولي التوقف عن التعامل مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة بسياسة المعايير المزدوجة وعلى كافة الدول العربية والإسلامية والأمم المتحدة ومنظماتها المختصة وفي مقدمتها مجلس الأمن واليونسكو والوقوف عند مسؤولياته في لجم جرائم وانتهاكات الاحتلال الذي يشكّل وجوده عاراً على جبين الإنسانية اتخاذ مواقف جدية لوقف الإجراءات الإسرائيلية التي تشكل انتهاكاً خطيراً لقبلة المسلمين الأولى وعلى الإدارة الأمريكية أيضا الوفاء بتعهداتها بالحفاظ على "الاستاتسكو" المعمول به بالمسجد الأقصى المبارك وعدم السماح بإحداث أي تغيير فيه
الحقيقة المؤكدة انه لا سبيل لوقف هذا التغول إلا بالمقاومة المسلحة والشعبية بكل وسائلها كأسلوب وحيد للتعامل مع دولة الاحتلال بديلاً لأي تحركات هزيلة بالإدانة والاستنكار ليس من شأنها سوى هدر الوقت والتفريط بكل تضحيات الشعب الفلسطيني المحاصر وفي المقابل يتوجب تصعيد ومواصلة الدعوات لشد الرحال إلى باحات الأقصى والاستمرار بمزيد من الحشد والرباط بالمسجد الأقصى لحمايته من اعتداءات الاحتلال
الإسرائيلي واقتحامات المستوطنين المتكررة ومواجهة أي مساس بحرمته وقدسيته وتأكيد الترابط الروحي بين الفلسطينيين والمسجد الأقصى وايصال رسالة للاحتلال برفض مخططات التهويد الخبيثة
ختاما نؤكد أن تكرار المستوطنين الصهاينة اقتحاماتهم لباحات المسجد الأقصى بحماية قوات الاحتلال الصهيوني لن يفرض تقسيماً زمانياً ولا مكانياً ولن يغير من إسلامينه وعروبته واننا نناشد العرب والمسلمين إنقاذ مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك مما يحاك ضدهما قبل فوات الأوان وإحداث أمر واقع فيهما
mahdimubarak@gmail.com