د. محمد حسين المومني - في شهر رمضان من كل عام تزداد وتيرة العنف في المسجد الأقصى والحرم القدسي الشريف. يأتي ذلك مدفوعا مع رغبة مزيد من المصلين إحياء الشهر الفضيل في الأقصى، ليواجهوا اقتحامات من قبل مستوطنين وشرطة الاحتلال.
هذا العام يتكرر المشهد المؤلم واللاأخلاقي واللاإنساني؛ شرطة مددجة بالسلاح تقتحم بيوت الله فيها آمنون متعبدون، وهذا العام بالتحديد تزداد وتيرة العنف لأنها تتزامن مع أعياد يهودية، يحاول بموجبها البعض من المستوطنين أخذ قرابين وذبحها في الحرم القدسي، في سابقة لم تعهدها المدينة منذ العهدة العمرية ولا حتى أثناء الاحتلال الصليبي، ولهذا أتى قرار الحكومة الإسرائيلية بمنع ذلك وإيقافه بالرغم من دعوات المتطرفين للإقدام على فعله.
جهود التهدئة التي سبقت رمضان لا زالت نسبية قائمة رغم الأحداث الأخيرة، ولكن لا أحد يضمن استمرار ذلك لأن رمضان وعشره الأواخر لا زالت قادمة، والأعياد اليهودية مستمرة أيضا.
الأطراف كافة أصحاب مصلحة بالهدوء والسكينة في المدينة المقدسة، فالأردن صاحب الوصاية والرعاية يريد للمقدسيين أن يمارسوا عباداتهم كما أمرهم الله بسكينة وأمان، وهو لذلك يسخر كافة أدواته لتسهيل ذلك، والأردن يؤمن أيضا أن القدس يجب أن تكون عنوان السلام والوئام لا سببا للتناحر والعنف.
الفلسطينيون وقيادتهم يريدون الهدوء واللاعنف في المدينة المقدسة بعدما تعهدوا بذلك، فذاك يصب في مصلحة زيادة مصداقيتهم الدولية، وهو أيضا يهيئ لأجواء تدفع بالانخراط بجهود تسوية سلمية وإحياء عملية السلام.
إسرائيل بدورها صاحبة مصلحة بالهدوء في المدينة المقدسة، فالتصعيد يهدد الائتلاف الحكومي المترنح، ويدفع لمواجهات ستكون لها تكلفتها السياسية داخليا ودوليا.
القوى الوحيدة التي تريد العنف وتسعى له هي قوى التشدد في الأطراف كافة، فقوى التطرف تعتاش على العنف والدماء، تنمو وتترعرع، وأي بوادر هدوء وسلام أخبار سيئة بالنسبة لها لأن تلك الأجواء تحاصرهم وخطابهم التحريضي.
هذه القوى تواصل الليل بالنهار لتأجيج العنف والرأي العام، لتوظف الشارع خدمة لأجنداتها السياسية، التي تتعارض جوهريا مع السلام والتسوية.
هم يريدون اللاهدوء لتسجيل أهداف سياسية، وليقولوا لنا، إن مشروع التسوية فشل، وإن المقاومة المسلحة هي الطريق الأفضل، هذا على الرغم من أن ما حققه مشروع التسوية السياسي منذ مدريد، وبحساب كافة عثراته، يبقى أفضل مئات المرات مما حققته المواجهة المسلحة بمرحلة ما قبل مدريد، التي كانت خسائرنا فيها متتالية ومتتابعة بالأرض والأمن والسياسة والسيادة.
مؤسف أيضا هجوم بعض القوى السياسة على الموقف الرسمي الأردني، ففي ذلك ظلم وجحود، فالموقف الأردني متقدم، والأكثر صدقية، وقوة وقومية.
هؤلاء انتهازيو السياسة لا يريدون أن يروا الحقائق التي تنصف الموقف الأردني، وهم لا يدركون خطورة ما يفعلون، فهم ليس فقط يثيرون غضب الأردن رسميا وشعبيا لجحودهم وإنكارهم موقفه، بل ينقلون صراعنا ومعركتنا مع المحتل لتصبح معركة داخلية تقسيمية، وهم بذلك إنما يفرحون المحتل ويغضبون الصديق.