زاد الاردن الاخباري -
بعد أكثر من 8 عقود من الهدوء الذي ساد منطقة جزر سليمان( سولومون) في المحيط الهادئ منذ معركة جواد الكنال بين قوات الحلفاء والجيش الياباني أثناء الحرب العالمية الثانية، يبدو أن المنطقة عادت لتكون ساحة صراع دولي جديد، لكنها ستكون هذه المرة بين الصين والولايات المتحدة وحلفائها.
وأثارت أنباء توقيع اتفاق إطار التعاون الأمني بين الصين وجزر سليمان قلقاً كبيراً في الولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا، حيث يخشى مسؤولو هذه الدول من أن يمهد الاتفاق الطريق أمام إقامة قاعدة بحرية صينية في المحيط الهادئ، بحسب تحليل للكاتب الأسترالي روت بولارد نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء.
لذلك فإن سعي بكين الأخير نحو فرض نفوذها البحري، يؤكد أن سياسة أستراليا منذ 2016 الرامية إلى إعادة التواصل مع جيرانها في المحيط الهادئ وإنشاء صندوق للبنية التحتية بقيمة 1.5 مليار دولار منذ عامين، كان أمراً مطلوباً، ومع ذلك فإن زيارة زد سيسلجا وزير شؤون المحيط الهادئ في الحكومة الأسترالية إلى جزر سليمان لم تنجح في إقناع حكومتها بجدية بلاده في دعم الدولة المجاورة.
ومن ناحيته، قال زعيم المعارضة في جزر سليمان لهيئة الإذاعة الأسترالية إنه حذر كانبيرا بشأن الصفقة العسكرية المعلقة منذ أغسطس(آب) الماضي دون تحقيق أي تقدم وتواجه كانبيرا باستمرار اتهامات بإساءة معاملة جيرانها من جزر المحيط الهادئ، واستخدامها كسجون للاجئين وطالبي اللجوء كجزء من نظام الاحتجاز في الخارج الذي تطبقه أستراليا ويتعرض لانتقادات حادة، في حين تتجاهل أزمة التغير المناخي والتي تهدد سكان الجزر. وعلى غرار الصحوة الأسترالية، بدأ الأمريكيون التحرك في اتجاه جزر المحيط الهادئ، حيث سيصل خلال الأيام القليلة المقبلة إلى جزر سليمان، وفد أمريكي برئاسة كورت كامبل مدير إدارة منطقة المحيطين الهندي والهادي في مجلس الأمن القومي الأمريكي، ضمن جولة تشمل فيجي وغينيا باباو الجديدة وهاواي، وهو اهتمام يبدو متأخراً أيضاً على حد وصف المحلل روت بولارد.
وبحسب مسودة اقتراح تم تسريبها في الشهر الماضي يمكن للسفن الصينية زيارة موانئ جزر سليمان والحصول على الخدمات اللوجيستية والتوقف والانتقال إلى الجزر، مع إمكانية استخدام القوات الصينية "لحماية سلامة الأفراد الصينيين والمشروعات الصينية الكبرى في جزر سليمان".
وحذرت الولايات المتحدة من أن هذا الاتفاق سيبقي الباب مفتوحا أمام نشر قوات الجيش الصيني في جزر سليمان، على بعد حوالي 2000 كيلومتر من الساحل الشرقي لأستراليا، والتواجد على طرق ملاحة رئيسية تربط بين أستراليا ونيوزيلندا وآسيا والولايات المتحدة، وقال نيد برايس المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن "الاتفاق يمثل سابقة مثيرة للقلق بالنسبة لمنطقة جزر المحيط الهادئ ككل".
ومنذ الكشف عن هذا الاتفاق بين الصين وجزر سليمان، تشعر أستراليا والولايات المتحدة بالقلق على حد قول ناتاشا كاسام الدبلوماسية الأسترالية السابقة في الصين وجزر سليمان ومديرة برنامج الرأي العام والسياسة الخارجية في معهد لوي.
وتقول كاسام إن الكثير من دول جزر المحيط الهادئ أعربت عن قلقها من أن يكون الاهتمام الغربي بها الآن نتيجة التقارب مع الصين، وهو ما يعني أن تحركات اللحظة الأخيرة من جانب الدول الغربية لا يجب أن تكون بديلاً عن إقامة حوار دائم وطويل المدى مع تلك الدول. وفي عام 2019 قطعت جزر سليمان رسميا علاقاتها مع تايوان، وهو القرار الذي أدى إلى انقسامات سياسية في حكومة الجزر، حيث قالت المعارضة إن العلاقات مع الصين يمكن أن تؤثر على الحق في الأرض وسيادة القانون والتراث الثقافي للجزر.
وتصاعد التوتر في الجزر حتى وصل إلى أعمال عنف مناوئة للصين في عاصمة البلاد هونيارا في نوفمبر(تشرين الثاني) الماضي، وأرسلت بكين مستشارين أمنيين إلى الجزر، كما نشرت أستراليا قوات لحفظ السلام بها، ومازالوا موجودين فيها حتى ديسمبر(كانون الأول) 2023.
ومن ناحيتها، تقول الصين إنه على دول المحيط الهادئ تنويع علاقاتها الخارجية وانتقدت التعامل الأمريكي مع اتفاقها مع جزر سليمان، وقال وانغ وينبين المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية إن منهج "تعمد إثارة التوترات والمواجهات بين التكتلات لا يحظى بأي دعم، ومحاولة عرقلة التعاون مع الصين محكوم عليها بالفشل".
وتقول هايلي تشانر وهي كبيرة باحثين في مركز بيرث أمريكا آسيا للأبحاث بالعاصمة الأسترالية إن "الصين تسعى منذ وقت طويل إلى تعزيز نفوذها في المحيط الهادئ من خلال القنوات الرسمية وغير الرسمية"، مضيفة أن أعمال الشغب في جزر سليمان في العام الماضي فتحت الباب أمام الصين لكي تقترح توقيع اتفاق أمني من هذا النوع.
ولكن الاتفاق الذي تم التوصل إليه يتضمن أهدافاً أبعد كثيراً من مجرد حماية المواطنين الصينيين في الجزر، وإنما يمكن أن يفتح الباب أمام نشر قوات الجيش الصيني بالقرب من سواحل أستراليا وهو أمر مقلق للغاية بالنسبة لكل من أستراليا والولايات المتحدة.
وأخيراً، فإن جزر سليمان أصبحت حلقة في مسلسل التوترات بين الصين من ناحية وكل من الولايات المتحدة وأستراليا من ناحية أخرى، ولن تستطيع الدول الغربية وقف التمدد الصيني في منطقة المحيط الهادئ إلا إذا نجحت في إقناع شعوب تلك الجزر بأن عروض التعاون العسكري والمساعدات الاقتصادية ومشروعات البنية التحتية التي تقدمها لتلك الدول أكثر استدامة، وبدون ذلك سيتمدد النفوذ الصيني من جزيرة إلى أخرى في المحيط الهادئ.