ماهر أبو طير - هبت عاصفة في عمان، يوم أمس، على غير المتوقع، حين احتشد متعثرون ماليون، امام البرلمان احتجاجا على تعديلات قانون التنفيذ القضائي، وهي عاصفة لم تكن متوقعة، وذات نتائج عدة.
المفارقة هنا، ان التعديلات الجديدة تمنع حبس من هو مدين ماليا بخمسة الاف دينار، فما دون، مقابل اجراءات بديلة، وهي تعديلات لا تعجب الدائنين، الذين يريدون حقوقهم، وبرغم هذا التعديل الجديد، الذي يمنع الحبس على خمسة آلاف فما دون، إلا أن المتعثرين خرجوا غاضبين، فهم يريدون منع حبس المتعثر أو المدين، حتى لو كان دينه فوق الخمسة آلاف دينار، مع مطالبة بعض المعتصمين بشمول كافة أشكال المتعثرين ماليا، وفتح باب التسويات مع إعطاء مهلة ثلاث سنوات، من خلال تأجيل الأحكام لمدة ثلاث سنوات، والافراج عن الموقوفين على خلفيات مالية، بسبب تضرر هذه العائلات، جراء غياب المعيل، وعدم القدرة على السداد.
هذا أصعب اختبار تواجهه الحكومة الحالية، لأنها دخلت عش الدبابير، ما بين دائن ومدين، واذا كانت الكرة في ملعب النواب، فمن الاستحالة هنا ان تقر التعديلات دون توافق نيابي حكومي غير معلن، لاعتبارات كثيرة، خصوصا، في ظل الصراع القائم، بين من يدافعون عن حقوق الدائنين، ومن يدافعون عن حياة المدينين، بما يعني اننا امام ازمة لن ترضي حلولها، كل الاطراف، خصوصا، مع اتهام المعتصمين العلني بغياب العدالة، حين لا يتم حبس الموظف الحكومي على دينه، ويتم حبس الموظف المتقاعد، وحين يصير التوجه لمنع حبس المدين بخمسة آلاف وما دون، وترك المدين بستة آلاف لمصيره، خلال الشهور القليلة المقبلة، وتحديدا بعد إلغاء أمر الدفاع الذي حمى المدينين طوال الفترة الماضية، ولاعتبارات مالية واقتصادية نعرفها كلنا ونراها بوضوح.
أخطر ازمة في الأردن، هي ازمة ديون الافراد، سواء ديونهم للخزينة، او ديونهم لصالح افراد مقابل ضمانات، او ديونهم لصالح مصارف او جمعيات او مؤسسات، والذي يرى الحركة اليومية في عمان، او غيرها من مدن، يظن انها دليل على العافية الاقتصادية، لكن استبصار اوضاع الافراد، يؤشر على ان اغلب الافراد يحملون ديناً ما، اما لصديق، او مصرف، او جهة ما، اضافة الى ما نعرفه حول اقساط الشقق والسيارات، وغير ذلك، وازمة الديون تتعمق يوما بعد يوم، بسبب عدم كفاية دخل الافراد امام التزاماتهم، وبسبب العجز عن السداد، او التأخر في مرات.
كنا نظن ان قصة التسهيلات الجديدة التي تتلخص بعدم حبس المدين على خمسة آلاف فما دون، ستثير رد فعل غاضب فقط بين الدائنين، واصحاب الحقوق، لكن الذي حدث انها اثارت رد فعل اكثر غضبا بين المتعثرين ذاتهم، من الفئات التي عليها ديون فوق الخمسة آلاف.
هذا يفتح باب استقطاب واسع في الأردن، خصوصا، في ظل هذه الظروف، ويجعل البرلمان، والحكومة، معا، امام عقدة كبيرة، سيؤدي حلها بأي طريقة الى رفض فئات ثانية، فيما تبقى هذه الازمة قائمة في الآردن، ولا يمكن حلها جذريا، لقلة السيولة، والفرص، اضافة الى ما نعرفه عن حالات تتقصد النصب والاحتيال، واخذ حقوق الناس ظلما، وهي قصة ثانية بحاجة الى تمييز قانوني، حتى لايختلط المتعثر، مع المحتال، في حزمة قانونية واحدة.
كل هذا الذي نراه، يرتبط بالديون الموثقة بين الناس، اما الديون غير الموثقة بضمانات فهي قصة ثانية، بحاجة الى من يستبصر عالمها السري، والى اين وصلت ارقامها بين الناس.