زاد الاردن الاخباري -
ربما يكون من أكثر التعديلات التي أثارت نقاشاً واسعاً التعديلات على قانون التنفيذ وقانون العقوبات؛ لا سيما فيما يتعلق بحبس المدين ورفع الحماية الجزائية عن الشيك من دون رصيد، وربما جاءت الانتقادات نظراً لأن الشيك كان يُعد في كثير من الأحيان بمثابة أداة ائتمان وليس أداة وفاء؛ فالشيك كمحرر مكتوب وفق الشرائط المذكورة في القانون وكونه يتضمن أمراً صادراً من شخص الساحب إلى شخص آخر وهو المسحوب عليه والذي يتضمن أمراً بالدفع لشخص آخر او لثالث أو لحامل الشيك هو في الأصل أداة للوفاء .. لكن الخطورة تنطوي على ما قررته المادة 245 من قانون التجارة الأردني بأن الشيك أداة وفاء مُستحق الأداء لدى الاطلاع. هذا في الواقع القانوني، أما في الواقع الفعلي فالأمر أكثر تعقيداً؛ وهو أن الشيك استغل من قبل العديد من مؤسسات التمويل الصغيرة لإقناع السيدات بأخذ قروض مالية ميسرة تحت غطاء "المشاريع الصغيرة الممولة"؛ وهو ما دفع عدداً كبيراً من هؤلاء السيدات والفتيات إلى اللجوء لصناديق الإقراض لسداد احتياجات عائلاتهن وليس من أجل تنفيذ أية مشاريع مقابل شيكات "بدون رصيد"؛ فأصبحن تحت وطأة التهديد بعد تراكم الفوائد لعدم القدرة على السداد .. والسجن. أصبحن "غارمات" غير قادرات على الدفع .. فانهارت أسر بأكملها لأن الأم سجنت ولأن العائلة تشتت بسبب جشع هذه الصناديق التي قدمت لهن تسهيلات غير مسبوقة بما يتعارض مع إنسانيتنا وأخلاقنا ورعايتنا لمجتمعنا؛ مما أصبح يهدد النسيج الاجتماعي تهديداً كبيراً وبات المجتمع كله في مهب الريح. ولا أعتقد قانونياً بأن الإشكالية كانت في الشيك كورقة وفاء؛ خصوصاً وأن المادة 11 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966تنص على انه "لايجوز سجن الإنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي"، ولكن الإشكالية في التطبيق ليس للنص فقط وإنما للتعامل مع الشيك كأداة ائتمان، وهو ما يفرض على الحكومة الكثير من القيود على هذه الشركات التي دفعت ببناتنا إلى السجن... وكذلك في التطبيق القانوني للنص؛ فالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية مصادق عليه من قبل المملكة، وفي حال تعارضه مع القانون فإن النص الدولي هو الذي يسمو ويطبق وهو ما لم يحصل .. ولا أحد يعرف السبب ! التعديلات الأخيرة ستحمي الغارمات والمدين العاجز عن السداد .. وهو أمر لا بد منه لحماية بناتنا من السجن وإنقاذ نسجينا الاجتماعي الذي أصبح يعاني بفعل العديد من العوامل التي أثرت عليه واخترقته لا بل ومزقته في بعض الجوانب.. لكن في المقابل لا بد من حماية الاقتصاد وتعزيز دور الشيك كأداة وفاء .. وهذا كله مسؤولية الحكومة والبرلمان ولا مبرر للاكتفاء فقط بالتعديل من دون اقتراح حلول قانونية ومنطقية ترضي جميع الأطراف، مع استشارة أصحاب الخبرة من القانونيين والخبراء والمختصين.