هل تفكر بالانتحار؟ أرجوك تمهل، المشرع الأردني أقر تعديلات على قانون العقوبات، تفرض عليك عقوبة السجن أو الغرامة، أو كليهما معا، أكيد أن الذين اقترحوا التعديل أو مرروه يمثلونك، ويتحدثون بالنيابة عنك، وهم مقتنعون تماما بأن مجرد ما يخطر لبالك شبح العقوبة، سترتدع فورا، وتستعيد عقلك، وتعرف مصلحتك، والأهم، ستدرك إنك “مجرم” إن تجرأت على إشهار انتحارك في موقع عام، وبالتالي فإنك تستحق العقوبة.
أنت لست وحدك، فبعض المسؤولين ببلدنا يتعاملون مع الأردنيين وكأنهم مشاريع انتحار، حين يعلنون عن يأسهم وخيباتهم ويصرخون بوجه الفاسدين، سريعا ما يتهمونهم بالسوداوية، وأسهل حل أو علاج يصرفون لهم لكتم أنفاسهم هو القانون، لاحظ ان تجريم الانتحار وتشديد عقوبتة بالسجن، تزامن مع تعديل مادة أخرى تشدد العقوبة بالغرامة والسجن في قضايا حرية النشر.
لا فرق هنا، كما يبدو، بين من يعاقب على نية الانتحار، ومن يعاقب على نية التعبير عن الرأي، لا فرق، أيضا، بين من يرى صرخات الانتحار مجرد جريمة، أو أنها حرام شرعا، وبين من يرى أن مطالب الناس، واحتجاجاتهم السلمية، جريمة يودع أصحابها في السجون، كل احتجاج في المواقع العامة، مهما كانت مبررات ونتائجه، يندرج تحت عنوان: الانتحار، وبالتالي يعتقد البعض أنه جريمة تستحق العقوبة، هل يعقل ذلك؟
السؤال الغائب وسط جدل من يرى الانتحار جريمة، هو: لماذا ينتحر هؤلاء، ولماذا يلجأون للمواقع العامة لإشهار موتهم، ثم من هم “هواة” الانتحار في بلدنا، ومتى كان الانتحار هواية، هل القضية (الجريمة أن شئت) هي الانتحار أم اشهاره والتلويح به، وإذا كان يعبر عن منطق شخص مريض فمن يتحمل مسؤوليته، أليست الدولة والمجتمع معا من يتحمل مهمة تشخيصه، ومعالجة الذين اصيبوا به ؟
إذا كان الانتحار فعلا مكروها، لا يمكن لعاقل أن يقبله، أو أن يبرره ويسوغه، وإذا كانت الحياة مطلبا إنسانيا، والموت هو آخر ما يتمناه الإنسان، لاسيما الشباب، فلماذا يهرب هؤلاء إلى اختصار أعمارهم، ولماذا نهرب معهم لمحاسبتهم على النتائج، ونتغافل عن الأسباب التي دفعتهم لذلك، أيهما أولى أن نضع المتلبسين بالانتحار في المراكز الصحية لرعايتهم وإعادتهم أصحاء لأهلهم ومجتمعهم، أم نودعهم بالسجون، أليست الوصفة الأخيرة أسوأ ما يمكن أن نقدمه لهم لإقناعهم أن الحياة أفضل؟
على مدى السنوات الماضية، شهدت بلادنا تصاعدا مخيفا لحالات الانتحار، 677 حالة ما بين 2016 و2020، وفي العام الماضي تم تسجيل 170 حادثة انتحار، عدا محاولات الانتحار التي فشل أصحابها بإنهاء حياتهم، أو تدخل آخرون لمنعهم من ذلك، في بلدنا أيضا يعاني نحو 25 % من الأردنيين من اضطرابات نفسية (أكثر من مليوني شخص)، فيما لا يتجاوز الانفاق على الصحة النفسية حدود إلـ 3 % من الانفاق على الطبابة العامة، و يتوفر اقل من 60 عيادة نفسية، ناهيك أن شركات التأمين الصحي لا تغطي المعالجات النفسية للمشتركين، علما انه أسعار الأدوية لهؤلاء المرضى تباع بأسعار مرتفعة.
إذا كان الاكتئاب أحد أسباب الانتحار، فإن أسبابا أخرى عميقة كالفقر والبطالة وانعدام الأمل، والاختناقات العامة، تشكل بيئة خصبة لتشجيع المنتحرين على اتخاذ قراراتهم، والسؤال : أليس الاجدر أن نذهب لهذه العناوين لمواجهة الظاهرة الانتحارية، وتجفيف خزاناتها، قبل أن نهرب لتشديد العقوبات بالقوانين على هؤلاء المرضى من أبنائنا؟
صرخات الانتحار، كصور للاحتجاج، تتصاعد في بلادنا، لكن المؤسف أن أحدا لم يتحرك للرد عليها، بمنطق من يريد فهمها، وصرف ما يناسبها من معالجات وحلول، اللهم إلا اخواننا النواب، سارعوا للموافقة على اقتراح الحكومة بتشديد العقوبة على من يحاول القيام بهذه الجريمة بالمواقع العامة، تحت لافتة ” لا تشهروا نيتكم بالانتحار، القانون يعاقبكم، وإذا كان لابد، انتحروا ببيوتكم، ولا تخبروا أحدا بذلك!