تعددت الحلول والرؤى دون وجود استراتيجية وطنية حقيقية للنهوض بالتعليم خصوصا أنه هو المؤشر الحقيقي لقياس تقدم الأمم في عصرنا الحالي، فهل الأزمة أزمة إمكانات مادية فقط أم أننا أمام أزمة إبداع حقيقية في إنتاج أفكار تصنع لنا بدائل و حلول لهذه الأزمة ؟
إن مسألة الإمكانات المادية تظل بالتأكيد ضرورة ملحة للرفع من مستوى جودة التعليم، لكنها ليست بالأساس سبب التدهور الملحوظ في جودة المنتوج التعليمي، الدليل على هذا أن الإمكانات المتوفرة حالياً أكبر بكثير مما كان لدى الأجيال السابقة والتي يضرب بها المثل في مستوى التحصيل والإتقان، فأجيال الستينيات والسبعينيات وحتى الثمانينيات تعلموا في ظروف قاسية لا يمكن بأي حال مقارنتها بما توفره إمكانات اليوم و رغم ذلك لا زلنا نضرب المثل بتلك الأجيال الذهبية كأفضل مستوى للتحصيل العلمي وإتقان العلوم واللغات .
إن أزمتنا الحقيقية اليوم هي أزمة مجتمعية بامتياز حيث أن الأسرة قدمت استقالتها من دورها الأساسي في مسألة التعليم، بين أسرة فقيرة لا ترى في التعليم قيمة مضافة لمعيشها اليومي، بل وزنا زائداً يثقل كاهلها بما يمثله من متطلبات يومية لأطفالها، و بين أسر متوسطة و ميسورة ترمي بمسؤولية تعليم أبناءها بالكامل إلى المدارس الخاصة ومراكز الدروس الخصوصية، وضعية مأساوية وصلت اليها علاقة الأسر بالمدرسة، حيث وفي كلتا الحالتين السابقتين فالعلاقة منقطعة بين المؤسسات التعليمية والأسر إلا فيما ندر .
منذ استقلالها ، ركزت الأردن على تطوير القطاع التعليمي وأولته أهمية خاصة. وبعد الاستقلال ، نفذت الحكومة خطة تعليمية، حيث تم النظر إلى التعليم بصفته استثمار وطني ومُحدد أساسي من محددات النمو الاقتصادي الأردني .
لقد كان للتوسع في التعليم آثار إيجابية مستدامة لا ينكرها أحد على الاقتصاد ، وعلى الصحة ، وعلى الوضع الاجتماعي الاقتصادي للنساء وعلى السياسة في الآونة الأخيرة ، والانتقال السلمي إلى الديمقراطية . فالنساء الناشطات المتعلمات تعليماً جيداً لعبن دوراً محورياً في مناوئة التطرف والجهل . كما أن النظام التعليمي هيأ نخبة أردنية متعلمة عليها طلب كبير في الدول الشقيقة .
لكن في الوقت الراهن ، تواجه الأردن أزمة تعليم عميقة بالنسبة لأغلب الطلاب . فتزايد عدد الخريجين لم يكن مصحوباً بتحسن موازي في جودة التعلم . نظراً للمبالغ الكبيرة المُستثمرة ، فإن عائد الاستثمار (وهو هنا نتائج الطلاب التعليمية) لم يكن مرضياً، وانحدر مستوى التعليم بدرجة كبيرة، بحسب المقاييس الدولية لجودة التعليم .
وترجع اختلالات المنظومة التعليمية الأردنية في كون علاقتها بسوق الشغل علاقة مهددة بالفشل، لمحدودية الفرص النظامية التي يوفرها النسيج الإقتصادي وقطاع الشغل ، ما يجعل إشكالية بطالة خريجي الجامعات والمعاهد مطروحة، وتتطلب حلًا جذريًا.
ومن أبرز التحديات الأخرى التي يواجهها التعليم في بلادنا مسألة التوجيه، فالكثير من الطلبة يعانون من عدم القدرة على اختيار مساراتهم المستقبلية، نظراً لعدم إلمامهم بمخرجات كل توجه علمي وكذا جهلهم بواقع قطاعات التوظيف، مما يجعلهم عرضة لاختيارات قد لا تناسب امكاناتهم الفردية أو حتى متطلبات سوق العمل فيما بعد، لهذا فالمجتمع المدني إضافة إلى القطاع الخاص يتحملون مسؤولية إضافية من خلال توفير تداريب مهنية للطلبة منذ سن مبكر، يمكنهم من الاحتكاك بالواقع المهني ويجعلهم يكتسبون مهارات التواصل والانضباط خارج المؤسسات التعليمية .
الدكتور هيثم عبدالكريم احمد الربابعة
أستاذ اللسانيات العربية الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي / الأردن