ما زالت بعض الأجور تراوح بين 120 الى 150 دينار واثناء كورونا كان يعرض على المعلمات في بعض المدارس الخاصّة 75 دينارا. ولا توجد طريقة فعالة لفرض الالتزام بالحد الأدنى للأجور وهو 260 دينارا وخصوصا في الظروف الاقتصادية الراهنة وقلة فرص العمل.
منذ بعض الوقت تشتد المطالبات برفع الحدّ الأدنى للأجور ووضع آليات فعالة لمنع التحايل عليه. الحد الأدنى اليوم لا يفي باحتياجات الحدّ الأدنى للأسرة في أي مكان في الأردن. وفي عمان يعادل الأجرة الشهرية لشقة متواضعة. لكن المسؤولين والاقتصاديين المحافظين يجادلون دائما بأن رواتب قليلة لعدد أكثر أفضل من رواتب عالية لعدد أقل. وهذا منطق يبدو مقبولا لولا أنهم يهملون تطبيقه على الرواتب العالية! أليس كفرا أن تكون رواتب ومكافآت الواحد من كبار المدراء في الشركات تعادل رواتب مائة عامل أو موظف بسيط؟! أما اجمالي الرواتب والمكافآت فتصل لأضعاف الرقم، أي يعادل ما يمكن ان تنفقه مئات الأسر!! ويحدث في زمن الأزمات ان يتم الاستغناء عن عاملين أو قصقصة رواتبهم الضئيلة دون المس بالرواتب الفلكية والمكافآت الخاصّة بكبار المسؤولين. إن الكلام عن أجور أدنى لتوظيف عدد أكبر هو ادّعاء يعوزه الاثبات في الواقع. ويميل رب العمل لتوظيف أقل عدد بأدنى اجر ما دام ذلك ممكنا ويمكن للرواتب ان ترتفع وكثيرا لوظائف تندر فيه الخبرات ويزداد عليها الطلب واليوم يوجد آلاف المهندسين المدنيين العاطلين عن العمل وتعرض الوظائف القليلة بمائتين أو ثلاثمئة دينار شهريا. وغالبا ما يمتنع الشباب عن الالتحاق بوظائف لأن الأجر ببساطة لا يغطي مصاريف التنقل بين العاصمة ومكان السكن الذي تنعدم فيه الفرص.
لا اتحدث بالخطاب الطبقي الشعبوي المعهود ولا حتى بمبادىء العدالة، بل بالسياسة الفعالة لإنعاش الاقتصاد.
اذا لم نفهم – ونعترف - ان كمية المال التي تذهب لعدد اكبر وافقر تفيد الدورة الاقتصادية وتنعش السوق اضعاف ما يفعل المال نفسه في جيب الثري أصلا فلن نهتدي الى السياسة الصحيحة وخصوصا في زمن الأزمات والركود الاقتصادي، لأن فائض المال سيحتبس بانتظار ازمنة افضل للإستثمار بينما ضمور الدخل يقلل الاقبال على الاستهلاك الذي يحفز السوق فندخل في حلقة مفرغة من الركود الذي يفاقم الفقر والبطالة وتدني الأجور.
ليس صدفة ان دراسات الجهات الدولية تربط بصورة وثيقة بين الفساد والفقر في الدول النامية لان مئات الملايين التي يتم شفطها من الاقتصاد بالفساد تقلل دخول الفئات الشعبية وتضعف الدورة الاقتصادية، ولنأخذ مثلا قضية فساد واحدة ( الفوسفات ) والتي تم حكم صاحبها مرتين 400 مليون تقريبا في الأولى و 200 مليون في الثانية لو ان 600 مليون بدل ان تذهب للملاذات الآمنة ذهبت الى السوق المحلي للانفاق على الرواتب والأجور والخدمات الاجتماعية كم تنعش الاقتصاد وترفع الطلب. البرامج الاقتصادية والتشريعات وتحفيز الاستثمار سيبقى كلاما فارغا اذا لم نتجرأ على معالجات جوهرية اقتصادية – اجتماعية.
ذات مرة اقترحنا الربط بين الحد الأدنى والحد الأقصى للرواتب. يعني مثلا لا يجوز ان يتجاوز أعلى راتب في مؤسسة عامّة او خاصّة عشرين ضعف ادنى راتب فإذا كان أدنى راتب 300 مئة دينار لا يزيد اعلى راتب عن 6 آلاف دينار. هل تريدون اكثر من ذلك؟! أما الحوافز من الأرباح فتوزع بنفس النسب أيضا! صدقوني لو حدث ذلك مع تنفيذ الإصلاحات الهيكلية الضرورية فسنشهد ثورة اقتصادية عظيمة.